رئيسيشئون أوروبية

باحثة أوروبية تحذر من استخدام فزاعة الإرهاب لانتهاك حقوق الإنسان

جنيف- حذرت باحثة أوروبية من استخدام فزاعة الإرهاب لانتهاك حقوق الإنسان في ظل استعداد سويسرا لتطبيق أقسى قانون غربي ضد “الإرهاب”.

وقالت الباحثة في العلوم السياسية لياندرا بياس إن الخطاب الحالي الذي يتداوله الرأي العام العريض، من فرنسا إلى النمسا مروراً بسويسرا، حول الهجمات الإرهابية الأخيرة، خطابٌ خطير جدّاً بالنسبة لحقوق الإنسان.

وأشارت بياس إلى أن المشكلة تبدأ بإعلان الحرب في المقدمة: قصر الإليزيه ضد “الانفصالية الإسلامية” وفيينا ضد “الإسلام السياسي”. وعلى الرغم من أن هذه الإعلانات تُظهر فاعليّةً ما، إلا أنها تستخدم بشكلٍ مخيف مفاهيمَ غير واضحة.

وقالت إن هذا التوجه نلاحظه منذ أن أعلن جورج دبليو بوش “الحرب على الإرهاب”. فمذ ذاك وعناوينُ مثل “الإرهاب” و “التطرف” تتوسع في تشريعاتنا إلى درجة يُمكن معها أن تتضمن كل شيء: الأفكار والعقائد والتصريحات.

وأضافت أن آليات الوقاية التي تنشأ عن ذلك تهدد بالتحديد ما يجب أن نحميَه كأكبر ثروة: حرية التعبير عن الرأي وسيادة القانون. هذه المكتسبات تتعرض لهجوم الإسلامويين؛ وهي بالضبط، ما نحن نحفر له قبراً باستراتيجيتنا الوقائية المفترضة.

واعتبرت بياس أن هذه الوقاية تستند على الوعد بالأمن المطلق الذي يضحي بالمقابل بالخصوصية الفردية، وذلك ما يؤدي استطراداً إلى أن نعتبر حق المواطنة ليس حقًّا أساسيًّا، بل نعيد تأويله إلى امتياز، مما يمكن أن يجعله كرة في ملعب نظامنا القانوني الجنائي.

ولفتت إلى أن سويسرا على وشك تبني أقسى قانون ضد الإرهاب في نصف الكرة الأرضية الغربي. وإذا لم يتم، بحلول شهر فبراير المقبل، جمع التواقيع اللازمة لإجراء الاقتراع عليه، فإنه سيكون من الممكن وضع أشخاص في الإقامة الجبرية دون قرار قضائي، وذلك لمجرد وجود شبهة بأنهم سيقومون بأعمال إرهابية في المستقبل.

ونبهت إلى أن القانون سيكون نافذاً حتى بالنسبة للقاصرين وسينتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لذلك فإنه انتُقد بحدة من قبل المقررة الأممية الخاصة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، فيونوالا ني آولاين. بالإضافة إلى ذلك سحبت سويسرا في بداية العام جنسيةً بقرار قانوني مُبرَم، وذلك لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

لذلك فإنه لا يُدهش كثيرا بأن تحاول النمسا الآن أيضًا سحب جنسية الإسلامويين ذوي الجنسية المزدوجة، وأن تقود كل من فيينا وباريس السعي لدى الاتحاد الأوروبي لمنع الترميز في تطبيقات خدمة الرسائل، مثل وتس آب، وذلك للتوسع في إمكانيات المراقبة.

وأكدت الباحثة الأوروبية أن أفعال الكفاح الخطابية مُغرية، لأنها توحي بالعزم وتقدم حلولاً بسيطة وسريعة، لكن في هذا الإطار يتم النسيان بأن هنالك حقوقًا واسعة موجودة قبلاً، وأن بعض المشاكل الحالية ضئيلة، بينما الإجراءات عكسيّة النتائج للغاية.

وقالت “نأخذ نهج ماكرون لمكافحة (مجتمع إسلاموي داخل المجتمع) في كلمته ذكر (إن التعليم المنزلي مستقبلاً سيكون محدوداً للغاية لكي نوقف عدم إرسال الفتيات إلى المدارس).

وفي رسالة بعث بها إلى الفايننشال تايمز أشار الرئيس الفرنسي إلى أن البنات في “أحياء معينة يعِشنَ محجبات تمامًا ومنفصلات عن الشباب وينشأْنَ على كره فرنسا”، لكن الرسالة سُحبت من النشر لأنها تضمنت معلومات لا تمت للحقيقة بصلة. وزارة التعليم الفرنسية نفسها أشارت في أحدث إحصاء لها بأن الفتيات لسْن أقل ذهابًا إلى المدرسة. مرةً أخرى يتعرّض المسلمون في فرنسا للتشويه والتهميش.

تجري أحيانًا دعوة المسلمين إلى مسرح الحادثة لإدانة الجرائم. وبشكل تام لا يؤخذ في الاعتبار هنا بأن المسلمين أنفسهم يشكلون أكبر ضحايا الهجمات الإسلاموية في العالم.

للتذكير: إن تنظيم الدولة الإسلامية أقام الخلافة على أراضي العراق وسوريا وليس في الألزاس مثلاً، ولكن إذا أراد المسلمون إطلاق نقاش حول التمييز الاقتصادي والاجتماعي الممنهج، فسيتم إسكاتهم مرة أخرى.

نحن نعرف بأن العنصرية ضد المسلمين تشجع التطرف، ومثل ذلك يمكن أن نفترضه لسويسرا. لكن لا توجد دراسات بعد، وهذا بالضبط ما يدل على غياب الاهتمام. إذن، استراتيجيتنا الوقائية لا تعمل على فهم الدوافع الحقيقية. ومما لا شك فيه أن الخوف من الإسلام أصبح متفشيًّا في سويسرا أيضًا.

وهكذا، فإننا لم نحظر بناء المزيد من المآذن فحسب، بل تبنينا أيضًا، وبشكلٍ متزايد، الخطاب الفرنسي حيث تُمارَس العنصرية ضد الإسلام من قبل سياسيين يمينيين، لا سيما باسم حقوق المرأة، على الجسد الإنثوي.

إن ساحة الجدل دائمًا هي التحجب، كتعبير قاطع عن الاضطهاد، والذي يجب أن يُمنع. في الوقت نفسه يبرر وزير التعليم الفرنسي منع التنانير القصيرة والقمصان التي تكشف السُّرّة “لأن هذه الملابس لا تتطابق مع طراز الملابس الجمهورية”.

يمكن ملاحظة نشاط مماثل في سويسرا أيضًا. في كانتون تيتشينو هنالك حظر لارتداء البرقع والنقاب، وفي الربيع القادم سيصوت الناخبون على مبادرة شعبية تطالب بحظر ارتداء البرقع والنقاب على المستوى الوطني. في الوقت نفسه تُجبَر الفتيات في جنيف على ارتداء “قميص الاحتشام”، عندما يحضرْنَ إلى المدرسة مرتدياتٍ ملابسَ قصيرةٍ جدّاً.

هذه المطالبات والإجراءات التي ينادي بها ساسة اليمين ويدافعون عنها دائمًا بصوتٍ عالٍ عندما يتعلق الأمر بالإسلام، لا علاقة لها بحرية المرأة وحقها بتقرير المصير الجسدي. لذلك لا يصمد أيضًا النقد الذي يقول بأن أصوات الناشطات النِّسويّات “خافتة بشكل غريب هذه الأيام”، وإنهن في حالة اعتذار أمام الإسلام السياسي؛ وذلك لأنهنَّ لا ينقلنَ هذه المطالب من معسكر اليمين.

في الواقع، فإن الناشطات النِّسْويّات يمارسنَ النقد منذ سنوات بحق الإسلاموية كجزء من نظام أبوي عالمي، ولكنهنَّ لا يُرِدْنَ أن يقفْنَ أيضًا في صف التيارات المعادية للأجانب، لذلك فإن التركيز لن يكون على الإسلاموية فقط، بل أيضًا على التطرف اليميني والحركات المعادية للأجانب التي تعمل تحت ستار “المحافَظة”.

ولكي نعيد طرح السؤال على الجميع من هذا المنطلق: لماذا يبقى الناشطون المفترَضون في الدفاع عن حقوق المرأة هادئين بشكل مثير عندما تُلغي دولة أوروبية باسم المسيحية حق الإجهاض إلغاءً تامًّا فتعتدي بذلك على الحق الأساسي للنساء بتقرير مصير أجسادهن؟ ماذا لو تم إعلان التضامن نفسه مع النساء البولنديّات؟

إن ذلك سيعني الدفاع عن حقوق المرأة وفقًا للمبادئ، وليس فقط عندما يخدم الأمر تشويه جماعاتٍ أخرى.

هذه الاستقامة في كل حقوق الإنسان مفقودة بشكل مأساوي في السياسة والجدل المضادين للإرهاب، وذلك حتى في سويسرا. إنها (أي الاستقامة) ليست مريحة لأنها لا تعِد بحلولٍ سريعة وبسيطة وبطولية، بل تتطلب مساراً طويلاً مُكلفًا ويحتاج إلى نقد الذات. لكنها الوحيدة التي ستحمينا في الواقع طويلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى