شئون أوروبية

تحذير حقوقي من تآكل قدرة اللاجئين على الاندماج في أوروبا

جنيف- أوروبا بالعربي

حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير أطلقه اليوم الأربعاء من نمو ظاهر التمييز ضد طالبي اللجوء والمهاجرين في أوروبا ورهاب الأجانب بشكل مطّرد منذ العام 2015.

وأبرز المرصد الحقوقي في تقرير له حمل عنوان “أنت لست من هنا: رهاب الأجانب والتفرقة العنصرية ضد اللاجئين والمهاجرين في أوروبا”، إلى أن الأرقام حول حوادث العنف التي تعرض لها اللاجئون والمهاجرون في أوروبا تنذر بتفاقم الوضع بشكل متصاعد سنويا وبصورة أصبحت معها هذه السياسات تأخذ طابعا ممنهجاً ومدعوماً من الدولة أو الأحزاب السياسية، وهو ما يضعف من قدرة اللاجئين والمهاجرين على الاندماج الفعلي في مجتمعات تعاملهم على أنهم خطر يخشى بقاؤه.

وقال المرصد إن الاتحاد الأوروبي ككل مطالب أكثر من أي وقت مضى بكبح النداءات المحرضة على الكُره والتمييز ضد اللاجئين والمهاجرين واتخاذ موقف حازم ضد ظاهرة رهاب الأجانب وانتهاك حقوق اللاجئين والمهاجرين الناتجة عن موجة من المواقف اليمينية المتطرفة في أوروبا.

وبيّن الأورومتوسطي أنّه وثق في تقريره إفادات لـ لاجئين تعرضوا للتهديد والاعتداء في كل من فرنسا وألمانيا وبولندا ودول أوروبية أخرى. وقد تنوعت مظاهر رهاب الأجانب والتمييز ضد اللاجئين والمهاجرين كالاعتداءات الجسدية والحرائق المتعمدة والقتل، فضلًا عن تقييد حرية التنقل خارج المخيمات، أو الحد من حقوق العمل، أو منع التعبير عن الهوية الدينية، مثل ارتداء الحجاب، والتي أضحت تزداد بشكل تدريجي وسيء.

وعبر المقارنة بين أعداد الهجمات ضد المهاجرين في ألمانيا في الأعوام 2015، و2016، و2017، لفت الأورومتوسطي إلى أن عدد الهجمات المشتبه بها والمبلغ عنها ضد المهاجرين والتي تم تقديمها إلى وزارة الداخلية في العام 2016، بلغ 178,438 هجومًا غير قانوني، ويُظهر هذا الرقم زيادة مضاعفة في جرائم الكراهية مقارنًة بعام 2015. فيما شهد العام 2017 ارتفاعًا كبيرًا في الهجمات ضد المسلمين والممتلكات الإسلامية بلغت أكثر من 1,000 هجوم تم الإبلاغ عنهم، ولاحظ الأورومتوسطي زيادة مضاعفة في هذه الهجمات عند مقارنة الأرقام في بداية عام 2017 مع تلك التي حدثت في الثلث الأخير من نفس العام.

إلى جانب ذلك، ذكر الأورومتوسطي أمثلة وشهادات لحوادث عنف حصلت ضد مهاجرين في أوروبا، مثل تلقي رئيس مجلس إدارة الرابطة الإسلامية في بولندا “يوسف شديد” تهديدات مستمرة بالقتل، وتعرض طالب تركي للهجوم اللفظي والجسدي في متجر بولندي في مدينة “تورون”، والهجوم الذي تعرض له مركز ثقافي إسلامي في “وارسو” نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وكذلك محاولة رجل قيادة سيارته ودهس المصلين المسلمين أمام مسجد في باريس في حزيران/يونيو 2017، فيما نفذ رجلان مقنعان هجومًا آخر بعدها بشهر على مسجد يقع في جنوب فرنسا، ما أدى إلى إصابة 8 أشخاص، من بينهم فتاة في السابعة من عمرها.

وتناول الأورومتوسطي تحليلاً لأسباب ارتفاع ظاهرة رهاب الأجانب والعنصرية ضدهم في أوروبا. وأشار في هذا السياق إلى أن طريقة معالجة الدول الأوروبية لأزمة الهجرة ابتداءً، والتركيز على سياسات إغلاق الحدود وفرض القيود وعمليات المراقبة والعسكرة والاحتجاز والترحيل وإبرام الاتفاقيات مع تركيا وليبيا لمنع تدفق طالبي اللجوء والمهاجرين إلى أوروبا بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب الأوضاع التي يمكن أن يعاني منها أولئك، أعطت الأوروبيين، فيما يراقبون ما تقوم به حكوماتهم، نظرة سلبية عن المهاجرين وطالبي اللجوء، وأظهرتهم كتهديد كبير يجب تجنبه، وكان لهذا تأثير كبير على التصور والتعامل من قبل المواطنين الأوروبيين مع أولئك المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا بالفعل إلى البلدان الأوروبية.

وإلى جانب ذلك، أدت زيادة النزعة الشعوبية والتطرف اليميني في أوروبا وفوز أحزاب تدعو لطرد المهاجرين واللاجئين في الانتخابات، فضلاً عن تصاعد الهجمات الإرهابية في أوروبا، والتحريض الذي ظهر في وسائل الإعلام المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي توفر فضاء لا يتوفر به الكثير من الرقابة، وبالتالي ينصّب التركيز الأكبر على الآراء لا الحقائق والتحليلات، كلها عوامل أسهمت في حالة الاستقطاب المهيمنة على النقاشات السياسية والإعلامية -فضلًا عن الرأي العام-حول موضوع الهجرة، ولم يعد هناك مساحة أو تأثير للتحليلات المتوازنة والمعلومات الدقيقة المبنية على الحقائق.

ورجح الأورومتوسطي أنّ يكون التمييز في بعض البلدان الأوروبية متعلقاً بالخوف من سلب اللاجئين لفرص العمل من سكان الدول المضيفة في الاتحاد الأوروبي.

وقالت الباحثة القانونية في المرصد الأورومتوسطي، “إيمان زعيتر”: “إنّه وفي حين أنّ تدفق السكان قد يؤثر على الاقتصاد المحلي، إلا أن اللاجئين المندمجين بشكل جيد يمكن أن يمثلوا أيضًا أسواقًا جديدة للسلع والخدمات، ويساعدوا على إعمار الشيخوخة السكانية، ويزيدوا من إيرادات الضرائب، ويغطوا الطلب غير الملبَّى على العمالة”.

ونوّه الأورومتوسطي في تقريره إلى أنّ استبعاد اللاجئين من الاقتصاد الرسمي بشكل منهجي يهدر فرصاً كبيرة، ويضيف المزيد من الضغوط على العائلات، فضلًا عن تعزيز الاعتماد على المساعدات.

ودعا الأورومتوسطي لبذل المزيد من الجهد لضمان احترام وحماية حقوق اللاجئين والمهاجرين، كما ورد في اتفاقية دبلن الأوروبية الخاصة، وإعلان نيويورك الخاص باللاجئين والمهاجرين.

وجدد الأورومتوسطي دعوته لدول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ الإجراءات المناسبة مع الامتثال للالتزامات الدولية خلال التعامل مع اللاجئين وفقًا للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وضمان ألا يقع اللاجئون ضحايا للاحتجاز التعسفي وتكفل معاملتهم على قدم المساواة أمام القانون.

ودعا الأورومتوسطي إلى تجريم من يستخدم اللهجة المناهضة للاجئين وخطابات الكراهية ضدهم، للتخفيف من حدة ظاهرة رهاب الأجانب والتمييز ضد اللاجئين والمهاجرين. ورأى الأورومتوسطي أنّ الخطاب الشعبي المتوازن بشأن اللاجئين ودمجهم، بالإضافة إلى بعض الخطوات السياسية الإيجابية قد يسهم في الحد من التنميط وبالتالي التصدي لظاهرة رهاب الأجانب والتمييز ضد اللاجئين والمهاجرين في أوروبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى