شؤون دوليةشئون أوروبية

الديمقراطية تتآكل.. لا تستبعدوا زوالها حتى في أميركا

واشنطن- نشرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية قبل أسابيع عديدة الطبعة العاشرة من مؤشر الديمقراطية، وهو الترتيب الشامل للدول، الذي ينظر في 60 من المقاييس المدرجة في خمس فئات مختلفة بدءا من العملية الانتخابية إلى الحريات المدنية.

وللسنة الثانية على التوالي لم تستطع الولايات المتحدة تبوؤ المركز الأول المسمى “الديمقراطية الكاملة”، إذ إتم تصنيفها في المرتبة الثانية المشار لها بكونها “الديمقراطية المعيبة”.

في هذا الإطار، تقول صحيفة واشنطن بوست الأميركية على لسان الكاتب فريد زكريا إن الديمقراطية في أنحاء العالم آخذة بالتآكل، وإن الولايات المتحدة ليست بمنآى ولا هي محصنة في هذا السياق.

ويمضي زكريا بالقول إنه يمكن فهم حالة الديمقراطية الأميركية في ظل وجود الرئيس دونالد ترمب على سدة الحكم، لكن الجانب الأكثر إثارة للقلق يتمثل في أن انزلاق الولايات المتحدة يعتبر جزءا من اتجاه عالمي.

ففي تقرير العام الجاري، انخفضت مراتب أكثر من نصف دول العالم في هذا السياق بحسب مؤشر الديمقراطية.

ركود ديمقراطي

وسبق للبروفيسور بجامعة ستانفورد لاري دياموند أن وصف منذ عشر سنوات هذا الأمر بأنه “ركود ديمقراطي”، وأنه لا يوجد أي علامة على توقف هذا التآكل.

ويرى زكريا أنه ربما كان من الأفضل النظر إلى طبيعة هذا الركود من خلال النظر إلى حالة الصحافة الحرة في جميع أنحاء العالم.

ويتحدث الكاتب بإسهاب عن تفاصيل انتهاكات بعض الدول لحرية الصحافة وحقوق الصحفيين، ومن بينها ما يجري في كينيا وتركيا وهنغاريا وبولندا، مشيرا إلى استخدام إدارة رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان سلسلة من التكتيكات الذكية لتكميم الصحافة الحرة.

وحتى في دول مثل إسرائيل والهند، فهناك جهود منهجية لتقليص مساحة وقوة وسائط الإعلام المستقلة التي تنتقد الحكومة.

ففي إسرائيل، تتضمن الادعاءات الجنائية ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -التي ينكرها- تعاملاته مع بارونات الصحافة لضمان التغطية المواتية التي تكون لصالحه.

تكميم الحريات

ويشير زكريا إلى أنه سبق له أن حذر قبل أكثر من 20 عاما، وذلك في مقال بمجلة فورين أفيرز، من أن المشكلة المميزة التي تواجه العالم هي “الديمقراطية غير الليبرالية”، التي تتمثل في قيام حكومات منتخبة بإساءة استخدام السلطة بشكل ممنهج وبتقييد الحريات.

ويضيف أنه أعرب عن القلق من أن الولايات المتحدة يمكن أن تتجه نحو هذا المسار.

فهذا هو ترمب يقوم في غضون عام واحد على توليه السلطة بالإساءة إلى وسائل الإعلام التي تتجرأ على الانتقاد، في وقت يقوم بالإشادة بالوسائل الأخرى الصديقة.

بل إن ترمب هدد بتدعيم قوانين التشهير وبنزع تراخيص الشبكات الإعلامية وفرض ضريبة على مالك صحيفة معينة.

وقد عرقلت إدارته اندماج منظمة إخبارية يعتبرها منحازة، بينما سهلت اندماج منظمة أخرى ذات تغطية أكثر ملاءمة.

ويشير الكاتب إلى تعريف الفيلسوف الأميركي رالف والدو إيمرسون الذي يقول بأن “المؤسسة” هي الظل المطول لرجل واحد.

ويقول زكريا إن المؤسسات هي عبارة عن مجموعات من القواعد والمعايير المتفق عليها بين البشر.

وإذا ما قام القادة بمهاجمة وتشويه وإساءة معاملتها، فإنهم يتسببون في إضعافها، وهذا بدوره سيضعف طابع الديمقراطية ونوعيتها.

ويختتم بالقول إن النظام الأميركي يعتبر أقوى من معظم الأنظمة الأخرى، لكنه ليس بمنأى عن قوى التآكل الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى