رئيسيمشاهير

كارلوس غصن : هروبه لم ينهي قصته بعد و مطلوب للعدالة في لبنان

كارلوس غصن ، هو أحد أكبر المديرين التنفيذيين في العالم، لبناني الأصل وحامل للجنسيتين الفرنسية والبرازيلية. كان الرئيس التنفيذي لشركة رينو الفرنسية، وهو الذي ألقى حبل النجاة لشركة نيسان اليابانية التي كانت تتخبط في ديون كبيرة وكانت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس سنة 1999، ليصبح بذلك رئيسها التنفيذي ويقوم مباشرة بدمج الشركتين، ليُولد تحالفًا من أشهر التحالفات الصناعية في العالم، وهو تحالف رينو- نيسان والذي أُلحقت به فيما بعد شركة ميتسوبيشي، لتصبح طاقة إنتاج هذا التحالف 10 ملايين سيارة سنويًا.

من التميز إلى الأسر
من التميز إلى الأسر
تم اعتقال كارلوس غصن نوفمبر 2018

كارلوس غصن وبسبب نشاطه الإداري الواسع وارتباطه بثلاث دول (فرنسا، اليابان والبرازيل) كان كثير السفر، ومستفيدًا بشكلٍ كبير من امتيازات عديدة في القارات الثلاث؛ وفي يوم 19 نوفمبر 2018 حطت الطائرة الخاصة التابعة لشركة نيسان التي كانت تقله في مطار هانيدا بطوكيو. بدت له تلك نهاية رحلة عادية، غير أنها في الحقيقة كانت بداية معاناته التي ستمتد لأكثر من سنة! فلم يَطل الوقت حتى تم اقتياده إلى مصلحة جوازات السفر لتوجه له ملاحظة بأن هناك مشكلة تتعلق بتأشيرته، وفيما بعد تم اقتياده لغرفة صغيرة ثم وُجهت إليه تهم مباشرة تتعلق بقضايا مالية خطيرة وأُلقي القبض عليه.

وُضع كارلوس غصن في السجن المؤقت، وبدا أن السلطات اليابانية كانت تخطط منذ مدة من أجل اعتقاله في الوقت الذي بدت له الأمور تسير على خير ما يرام، ليطلق سراحه لفترة وجيزة في مارس 2019 بكفالة قدرها 9 مليون دولار، ثم أعيد اعتقاله بسبب تهم جديدة، ليطلق سراحه مرة ثانية شهر أبريل 2019، بعدما دفع سندات أخرى قدرها 4.5 مليون دولار. لم يكن إطلاق السراح هذا نهاية المعاناة لغصن، فالسلطات اليابانية لم تكف عن ملاحقته أو إملاء التعليمات عليه كما فرضت عليه الإقامة الجبرية وتم إخضاعه للرقابة الأمنية.

عند اعتقال كارلوس غصن وسجنه، كان أعلى صوت طالب بالإفراج عنه هو صوت كارول غصن، وهي زوجته الثانية، سيدة أعمال وحاملة للجنسية الأمريكية، ولقد روت فيما بعد الممارسات التي تعرض لها زوجها من عنف وإذلال حسب تصريحها، فلقد خضع غصن يوميًا لاستجواب دام في بعض الأحيان ما يقارب الثماني ساعات، كما صرحت أيضًا أنه تعرض للعنف الجسدي والمعنوي مرات كثيرة من قبل السلطات اليابانية. ولقد خضعت كارول غصن فيما بعد كإجراء خاص، للتحقيق في الأمور المالية المتعلقة بزوجها، لتغادر اليابان مباشرة بعد ذلك وتبدأ رحلة تحرير زوجها ولفت الرأي العام لقضيته.

هروب منظم لكارلوس غصن
تمكن كارلوس غصن من الهروب من اليابان الى لبنان مرورا بتركيا
تمكن كارلوس غصن من الهروب من اليابان الى لبنان مرورا بتركيا

اتصلت كارول غصن بكل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل لفت الأنظار لقضية زوجها، ولعل القضية التي انتهت بهروبه نحو لبنان في النهاية قد شهدت تدخل الرئيس الفرنسي، باعتبار كارلوس غصن قد قدم الكثير لفرنسا بشكلٍ عام ورينو بشكل خاص، لذلك فإن التدخل الفرنسي كان لا بد منه.

وحسب الأخبار المتداولة فإن كارلوس غصن كان قد غادر شقته يوم 29 ديسمبر بعد الزوال، وفي تلك الأيام كانت اليابان على غرار العديد من دول العالم، تعيش أجواء رأس السنة الميلادية، فساعده ذلك بشكلٍ كبير على إنجاح مخططه من أجل الفرار من اليابان التي مكث بها أكثر من 400 يوم قضاها بين السجن والتحقيق والإقامة الجبرية.

وفي ظل تنسيق محكم تمكن كارلوس غصن بمساعدة أشخاص يعتقد أنهم مدربين على الانتقال بشكل أولي من طوكيو إلى أوساكا، ثم بعد ذلك تم اخفاؤه في صندوق موسيقى، ثم تم نقله إلى طائرة خاصة حلقت به باتجاه تركيا؛ وبعد رحلة دامت اثنا عشر ساعة، وصل إلى تركيا، ليستقل طائرة أخرى اتجهت به إلى لبنان، ليتمكن بشكلٍ مثير من إنهاء رحلة هروب هي الأخطر في حياته، وطبعًا كان لزوجته كارول يد مباشرة في نجاح هذا الهروب.

انحياز للجانب الفرنسي

قوة شركة رينو في التحالف تجعل شركة نيسان خاضعة لها

من الناحية العملية لا ينكر أحد براعة كارلوس غصن وحنكته في التسيير الإداري، والتفكير الإستراتيجي الإبداعي، ولكن ما حدث له في اليابان هو في الحقيقة راجع لطريقته التي تعامل بها مع التحالف الذي أسسه سابقا والذي عرف بتحالف رينو – نيسان، وفيما بعد تحالف رينو – نيسان – ميتسوبيشي، حيث أن كارلوس غصن كان ينحاز نوعًا ما للشركة الفرنسية رينو على حساب شركة نيسان.

وفي الحقيقة فقد استحوذت رينو الفرنسية على ما نسبته 48٪ من أسهم الشركة اليابانية نيسان، وهذا أمر لم يستسغه المسؤولون اليابانيون، فيما رحب به الفرنسيون بحرارة، لأن كارلوس غصن يعني الكثير للصناعة الفرنسية، وتاريخه مع الشركة رينو يمتد لبداية التسعينيات، ولكن احساس اليابانيين بتهديد قد يحدث للشركة نيسان جعلهم يتجهون لاعتقال غصن.

وسواء كانت التهم حقيقية أم مزيفة، يبقى الاتجاه الذي اختاره اليابانيون في التعامل مع هذا الموضوع “قتلٌ” لتلك الشراكة التي دامت سنوات طويلة، ومما لا ريب فيه أن غصن قد اختار الجانب الفرنسي، وفرنسا بدورها لن تسمح بأن تصل الأيادي اليابانية الى كارلوس غصن، ويبدو ذلك من خلال آخر التصريحات الإعلامية الفرنسية التي أشارت إلى أن فرنسا لن تسلم غصن إذا دخل أراضيها، وهي دعوة واضحة لاستقباله.

اعتُبر غصن في فرنسا بطلًا من أبطال الإدارة التنفيذية، بعدما قلب حال شركة رينو إلى الأفضل بداية التسعينيات، وفي اليابان اعتُبر بطلًا خارقًا قدِم من بعيد من أجل إنقاذ شركة نيسان من حافة الإفلاس، وبذلك أصبح شخصية عالمية مشهورة، وفي كلتا الشركتين تولى كارلوس غصن نوعًا إدارياً ونمطاً تسييريًا حديثًا يعتمد على المصالح الخاصة، وإنقاص عدد الوظائف  والتمهيد من أجل الربح المستقبلي.

وتم التحالف بين الشركتين سنة 1999 وانضمت له شركة ميتسوبيشي سنة 2016 ليصبح تحالفًا ثلاثيًا، وبحلول سنة 2017 كان هذا التحالف ينتج ما قدره 10 ملايين سيارة سنويًا، وكان كارلوس غصن في هذه الفترة شخصية رئيسية ومهمة لأقصى الحدود، ولكن في الكواليس كانت المشكلة تتبلور شيئًا فشيئًا.

تعتبر الحكومة الفرنسية كمساهم في التحالف من خلال شركة رينو، وفي سنة 2015 تمكنت من مضاعفة حقوق التصويت في الشركة، الأمر الذي رفع نفوذها بشكلٍ كبير على قرارات مجلس الإدارة، وبالنسبة إلى شركة نيسان، يعتبر هذا غاية في الأهمية، لأن رينو ليست شريكها فحسب، بل أكبر مساهم فيها، ويعني هذا أن مجموعة القرارات السياسية التي تتخذها فرنسا سيكون لها تأثير مباشر على شركة نيسان.

وبحلول سنة 2018 كان النفوذ الفرنسي قد وصل إلى أوجه، كما حصل كارلوس غصن على عهدة جديدة منحته أربع سنوات أخرى كرئيس تنفيذي لشركة رينو، غير أنه تعرض لضغطٍ كبير من جهة فرنسا فيما يخص التحالف. وكان كارلوس يهدف إلى ضم الشركة الإيطالية- الأمريكية الشهيرة “فيات” إلى التحالف، وكانت له نظرة عميقة للأعمال المشتركة حسب ما صرح به في إحدى المؤتمرات.

خوف ياباني من اندثار نيسان

قدم غصن الكثير لشركة نيسان واعتبر في يوم ما منقذها ولكن اليابان انفلبت عليه خوفا على الشركة من التبعية او الضياع

من ناحية أخرى فإن رؤساء نيسان مثل الرئيس التنفيذي هيروتو سايكان اوا كانوا بالفعل عرضة للخطر بسبب انخفاض أداء الشركة. اعتقدوا أن الروابط الأقوى مع رينو ستقوض سلطتهم الذاتية واستقلاليتهم. كما كان لهم توقع بأن تصبح نيسان عنصرًا جوهريًا في عالم صناعة السيارات، بعبارة أخرى تخوف اليابانيون من أن يتم استغلال شركتهم في سبيل الوصول إلى شركات أخرى للعالمية، وهذا التخوف الياباني أخذ زخمًا سريعًا وخاصة بتدخل الحكومة اليابانية في الموضوع، ليتحول كارلوس غصن من بطل في اليابان إلى مجرد رجل أعمال مطلوب للعدالة.

وما زالت القضية مستمرة

قدمت اليابان طلبًا دوليا للقبض على كارلوس غصن من خلال الشرطة الدولية الأنتربول، وتسعى من خلال ذلك للضغط على الحكومة اللبنانية، غير أنه لا توجد أي معاهدات متعلقة بتبادل المطلوبين للعدالة بين البلدين، ما يجعل الموقف الياباني أضعف، خاصة بتصريح الحكومة اللبنانية بعدم تسليمه وكذلك تصريح فرنسا الذي يجعل موقف كارلوس غصن أفضل.

ومنذ رحيله شهدت رينو ونيسان تراجعًا كبيرًا بعشرات المليارات من الدولارات، ولا يتوقع الخبراء أن يكون هناك انفصال بين الشركتين بسبب التكامل العميق بينهما، ولكن فكرة أن يكون هناك ارتباط أعمق بين الشركتين مستقبلًا ضرب من ضروب الخيال.

مطلوب للعدالة في لبنان أيضًا ….

استُدعي كارلوس غصن إلى المحكمة العسكرية بتهمتين موجهتين ضده: الأولى هو أنه مطلوبٌ للأنتربول، والثانية دعوى رفعتها ضده محامية لبنانية بخصوص زيترته إلى إسرائيل عام 2008، وهي الشكوى التي تساءل لماذا لم تُرفع من قبل، وأشار إلى إيمانه بالقضاء اللبناني العادل، وسط تهربٍ واضح من التحدث فيما يخص القضاء اللبناني وتدخل السياسيين فيه، مؤمنًا على حد قوله للقضاء اللبناني أكثر من نظيره الياباني!

ولدى سؤاله إن كانت وُضعت لبنان في موقفٍ تختار فيه بين غصن كشخص ومصالحها الاقتصادية مع لبنان، قال أن هذا السؤال يجيب عنه المعنيون. أما عن سبب اختياه للبنان دون الدول التي يحمل جنسيتها، فقال أن تلك الدول ما زالت خيارًا مطروحًا، لكن السبب المباشر هو أن زوجته لبنانية- أمريكية مقيمة في لبنان.

أما إن كان هناك تهمٌ محتملة في فرنسا، أمرٌ لم يستبعده غصن وأشار إلى أن مصدره المرجح سيكون رينو، وعزا علاقته غير الجيدة مع الكثيرين في فرنسا إلى عدم خضوعه للسياسيين، فهو لم يكن يمتثل لرغبات الدولة الفرنسية دومًا. وعن تعرض كبرى صحف فرنسا لغصن، أجاب: “هل تعرفون شخصًا فوق النقد في فرنسا!”.

لا ملياردير ولا مليونير وغير مهتم بالمناصب السياسية وغير مستقر بعد على نوع سيارته مستقبلاً!…

رفع عنه كلا اللقبين! فما يهمه الآن هو تبرئة اسمه مما لُفق له، وقد اختار الفرار من اليابان لأنه مُنع من الدفاع عن نفسه إضافة إلى حرمانه رؤية عائلته، مضيفًا أنه لم يكن سجينًا بل كان أسيرًا، ولا يمكن لوم أسير على الخروج من أسره.

غصن الذي طرح جنبلاط اسمه كوزير للطاقة لانتشال لبنان من أزمته، قال إنه لن يغير وجهة نظره في المناصب وهي ليست في وارد تفكيره اليوم. وعبر صراحة أيضًا بأنه لن ينقل أمواله كلها إلى لبنان.

يرى الخبراء أن ما آلت إليه الأمور يكبح نجاح الشركتين من الجهة الإقتصادية، وينهي مسار كارلوس غصن كرجل أعمال كبير من جهة أخرى، ويبدو أن اليابان لن تتخلى عن القضية بسهولة، كما أن السند الدولي الذي يرتكز عليه كارلوس غصن يجعله في موقف قوة أمام اليابان، وحتى أمام القضية ككل، والسؤال المطروح هنا: هل خسر اليابانيون رجل أعمال فذ، أم أن لهم استفادة كبيرة بنهاية عهد غصن واستمرار شركة نيسان في التحالف مع شركة رينو ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى