أخبار متفرقةشئون أوروبيةمنوعات

كلُّ الناس سعداء إلا أنا !

“أتابعُ أخبارَ الناس كل وقتٍ وحين، أرى صورهم الممتلئة بضحكاتهم، أنظرُ بإمعانٍ إلى تجمّعهم مع أهلهم وأحبتهم. دخلتُ قبل أيامٍ على ملفِّ إحدى صديقاتي القدامى؛ فإذا بها تتنقّلُ من بلدٍ إلى آخر. معظم النّاس لهم مشاريعهم الخاصة، وأصبحوا يستثمرون مواهبهم في أعمالٍ يبدو أنّها تدرُّ عليهم أموالاً. باختصار؛ يبدو أنّ كلّ الناس سعداء إلّا أنا!”.

كانت هذه الكلمات جزءاً من رسالتها المفعمة بالحزن واليأس من واقع حالها، تودُّ لو أنّ الحياة تنتهي بها حيث هي اليوم؛ إذ أنها ترى الأعوام لا تزيدها إلّا خسارةً في نفسها وروحها وجسدها. أدركتُ جيداً مؤخراً أن هذا حالُ كثيرين لا حال صاحبة هذه الرسالة فحسب، فجزء كبيرٌ ممن حولنا لا يجدون في تقدّم السنوات إلّا زيادةً في المسؤوليات والهموم ونقصاً في الصحة والعافية والثقة في النّاس. والغريب أنّ معظم هؤلاء يرون أن الناس يمضون في الحياة بخير، وهم وحدهم من تفوتهم فرص النجاح ومَن يخسرون الكثير.

ما السعادة؟

سؤال يراودنا حيناً تلو آخر، نقرأ إجابته في الكتب وتختلفُ آراء الناس حوله، وبين هذا وذاك تبقى لكلِّ منّا تجربته الخاصة في البحث عن سعادةٍ لا يمكن أن تكتمل في الدنيا، لكننا نملك أن نقتنص بعضَ مواقفٍ منها أو لحظات، ونملكُ خلال ذلكَ أن نحوزَ شيئاً من الرضى الذي يجعلنا نعيش الدنيا بلا ضنكِ الشعور بالنقص الدائم، أو بالتعب الذي لا نهاية له.

ما الذي يجعلك ترى السعادة فيمَن حولكَ ثم تنكرها في نفسك؟

ما الذي يجعل نتائجَ إحصائية، أجريت على ألف وخمسمائة شخص ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ يوميّ يتابعون صور الناس وحالاتهم، تشير إلى أن هذا الاستخدام ساهم في عقدة نقص لديهم، فضلاً عن قلقٍ كبير؟

في الواقع؛ فإنّ وسائل التواصل هذه لم تسهم في إيجاد عقدة النقص بقدر ما أسهمت في إبرازها أمامنا؛ فالشخص الذي يتابع مواقع التواصل الاجتماعي اليوم ساخطاً على حاله نتاج صورِ الآخرين وسعادتهم التي يراها، هو في أغلب الأحيان ذاته الشخص الذي يسيرُ في الأسواق والتجمعات والحفلات فيرى أن ضحكات الناس تنمّ عن نعمٍ لا يملكها.

إن أساس الشعور بالسعادة هو امتلاك الرضى النابع من الذات نفسها، الرضى الذي لا يعني ألّا تبحث عن حالٍ ومعيشةٍ أفضل، لكنّه يعني أن تملك قدراً من الثقة بنفسك وبالله يجعلكَ تقدّر حياتك بكلّ تفاصيلها، يجعلكَ تبحث عن ذاتكَ في الحياةِ وما يفرحها بحثاً ليسَ أنانياً أبداً لكنك تدرك به أنّ الأشياء النابعة من نفسك هي ما تبقى معكَ وقتاً وحيّزاً أكبر.

تخبرك نصائح المختصين عن خطوات نفسية وعملية تساعدكَ في ألّا تتحول نظراتك للناس إلى حاسدةٍ أو مُستهجنة أو ما إلى ذلك، وكيف لكَ أن تصبحَ جزءاً من سعادة النّاس فتفرح بفرحهم. وإلى جانب ذلك كلّه فلكَ دائماً أن تعلمَ أنّ هناك ما وراء الحدث، بأنّ مَن تراه سعيداً فرحاً مُنجزاً ربّما لا يكون كذلك، وربّما تكون، كثير من الاحتمالات واردة.

أن تعلم بأنّك مسؤول في هذا الكون عن نفسك، وكل انشغالٍ بالآخرين عن ذاتك يشتت منكَ سعادتكَ ورضاك.

لقد أصبحت متابعة الناس وأحوالهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي علةً تُرهِقُ أهلها؛ وحالا تضاعف المشكلة عند أصحابها، ويبقى محور الحل الأول فيه هو البحث عن مواطن سعادتك أنت، ومواقف إنجازك أنت، ونقاط قوتكَ أنت، ونعمَ الله عليكَ أنت؛ فما كان الله –عز وجل– ليخلقَ عبداً في الأرض ثم يذره بلا نِعَمٍ أو جودٍ منه –جلّ وعلا– فابحث عن كرم الله في حياتك ودع الناس يمضون في حياتهم، لكلٍّ منكم شأنه وحاله وحياته.

 

* نور أبو غوش- مدونة من الأردن، تكتب في القضايا الاجتماعية.

محمد توفيق

كاتب سوري يهتم بالشأن السياسي و يتابع القضايا العربية على الساحة الأوروبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى