رئيسيشئون أوروبيةمصرمقالات رأي

مصر.. ثقب أسود يبتلع الأجانب

بعد مرور أسابيع على اختفاء مواطنين ألمانيين في مصر، وصف الإعلام الألماني مصر بالثقب الأسود الذي يبتلع الأجانب من السياح والزائرين في ظل حكم عسكري وتفشي انتهاك حقوق الإنسان بشكل كبير.

ومنذ اختفائهما في مصر الشهر الماضي وعائلتا المواطنين الألمانيين عيسى الصباغ ومحمود عبدالعزيز في صراع مع الزمن لكشف مصيرهما. حيث طلبت العائلتان من السلطات الألمانية المساعدة إثر تكتم السلطات المصرية على الأمر حتى الآن.

وأعلنت الخارجية الألمانية مساعيها الحثيثة واهتمامها بأمر الألمانيين، اللذين ينحدر كل منهما من أم ألمانية وأب مصريّ، مضيفة أنها على اتصال مع السلطات المصرية وتبذل قصارى جهدها لاستيضاح الملابسات في كلتا الحالتين.

وقالت الخارجية الألمانية أنها تلقت إشارات من الحكومة المصرية تفيد بأن أحد الشابين (وهو محمود عبد العزيز) محتجز لديها دون أن تقدم معلومات عن المختفي الآخر.

وبدأ الأمر في يوم 17 كانون الأول/ديسمبر الماضي حين انقطع اتصال عائلة عيسى الصباغ (18 عاماً) مع ابنها الذي كان في طريقه لزيارة جده في القاهرة، في رحلة غير مباشرة تمر عبر مطار الأقصر ومنه إلى مطار القاهرة، حيث كان ينتظره عمه.

ويرجح محمد الصباغ، والد عيسى الصباغ، الذي اختفى في مطار الأقصر أن يكون ابنه محتجزاً لدى السلطات المصرية، قائلا: “بحسب المعلومات غير الرسمية فإن ابني محتجز في الأقصر، لكننا لسنا متأكدين من ذلك بعد”، ويضيف: “سيسافر أخي من القاهرة إلى الأقصر في نهاية الأسبوع ليطّلع على الوضع هناك، لكن حتى الآن لم يتحدث أحد مع ابني منذ احتجازه”.

وذكر الصباغ أن لديه معلومات أن ابنه عيسى قام بتسجيل سفره لدى شركة الطيران المصرية من أجل متابعة السفر من الأقصر إلى القاهرة، إلا أنه لا يدري ماذا حصل له بعد ذلك. كما قال الأب إنه أرسل لابنه “رسالة (عبر الإنترنت) بعد وصوله، وقد تمت قراءتها لكن لم تتم الإجابة عليها”. ويؤكد أن ابنه، الذي كان يعيش في مصر مع والدته وإخوته بين عامي 2008 و2017 ولم يكن مهتماً بالسياسة.

وبعد اختفاء عيسى بعشرة أيام، تم توقيف محمود عبد العزيز (23 عاماً) في مطار القاهرة، وقال أخوه مالك الذي كان مسافراً معه:”سافرنا من المدينة المنورة إلى القاهرة في 27 كانون الأول/ديسمبر، حيث أننا ندرس الشريعة في المدينة”، مضيفاً أنه أخاه كان يعيش في المدينة منذ سنة ونصف.

ويتابع مالك إن السلطات المصرية لم توقفه لكنها أوقفت أخاه في المطار دون أن تذكر أي سبب لاحتجازه، ويضيف: “نحن لسنا من عائلة نشطة سياسياً، كما أننا نرفض جماعة الإخوان المسلمين بشدة”، مشيراً إلى أن محمود سبق له أن عاش في مصر بين عامي 2014 و2016. وعن إمكانية أن يكون هناك تشابه في الأسماء أدى إلى احتجاز أخيه يقول مالك: “لا أعتقد ذلك، فإن كان الأمر كذلك كان سيتم توضيح المسألة بسرعة”، مشيراً إلى أنه بقي في المطار لحوالي أربع ساعات دون أن يتم توضيح الأمر.

وأضاف مالك: “بحسب المعلومات غير المؤكدة المتوفرة لدينا من مصر، فإن أخي موجود في مبنى للمخابرات في مدينة نصر، لكننا لا نعلم فيما إذا كان هذا صحيحاً أم لا”، وأضاف: “أبي وأخي أحمد الآن في القاهرة وسيظلان هناك لمدة شهر من أجل الحصول على مساعدة قانونية”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يختفي فيها مواطنون أوروبيون في مصر، ومن أبرزها قضية اختفاء وقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة قبل عامين والتي أدت إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث أعلن البرلمان الإيطالي في تشرين الثاني/نوفمبر قطع العلاقات البرلمانية مع نظيره المصري على خلفية القضية.

وفي حين فتحت السلطات الإيطالية تحقيقاً رسمياً بحق خمسة من عناصر جهاز الأمن في مصر، تقول إنهم متورطون في اختفاء وقتل ريجيني، تجيب السلطات المصرية بأنه قتل على يد “عصابة إجرامية” قامت الشرطة بالقضاء عليها، مناقضة بذلك روايتها الأولى حول أنه توفي في حادث سير.

ويرى رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد أن “الاختفاء القسري أصبح ظاهرة منتشرة في مصر، رغم أن السلطة تنفي ذلك دائماً”، ويضيف الحقوقي المصري: “الاختفاء القسري في مصر ليس مجرد جريمة جنائية بل جريمة سياسية يقوم بها النظام”. لكن الحقوقي المصري محمود إبراهيم يعتقد أن “حالات اختفاء الأجانب في مصر معزولة وغير منظمة على الإطلاق”، مضيفاً أنه “لا توجد في مصر أي منظمة تخطف الأجانب”.

وحمل عيد السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن اختفائهم الأجانب، قائلا: “الحكومة المصرية ليست ملزمة فقط بألا تمارس الاختفاء القسري، بل إنها مسؤولة عن حماية المواطنين والمقيمين، وبالتالي تظل مسؤولية اختفائهم لحين إيجادهم هي مسؤولية الحكومة المصرية وأجهزة الأمن”.

وفيما يتعلق بمصير المواطنين الألمانيين الذين اختفيا في مصر يقول إبراهيم: ” إما أن السلطات المصرية قامت بترحيلهما فوراً ولا تعرف إلى أين ذهبا بعد ذلك، أو أنها ألقت القبض عليهما بالفعل”. ويضيف: “وفي هذه الحالة لن تعلن السلطات المصرية عن ذلك، حتى تقوم بالتحقيق، لأنهما قد يكونان مرتبطين بتنظيمات تريد السلطات المصرية أن تتبع أثرها من خلالهما. وإن كانوا قد اعتقلوا من قبل السلطات المصرية فسيظهرون بعد فترة أمام القضاء المصري”.

ويعتقد جمال عيد أنه في حال طلبت السلطات الألمانية من نظيرتها المصرية كشف مصير الشابين الألمانيين فإن مصر ستضطر للتحرك بجدية للبحث عنهما والكشف عن مصيرهما.

ورأى عيد أن “مصر آمنة للسياح إلى حد كبير لكن هذا لا يعني أنها دولة مستقرة ديمقراطياً، فالقمع يجلب استقراراً مؤقتاً، لكن على المدى البعيد قد يجلب هذا الاستقرار المؤقت عواقب عكسية وخيمة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى