القدس والتقارب السعودي الإسرائيلي
باريس
تناولت ثلاث صحف فرنسية كبيرة التقارب السري بين إسرائيل والسعودية، وقدمت قراءة في الأحداث المتعلقة بذلك، وأبرزت قضية اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل من ذلك.
فتحت عنوان “التقارب السري بين إسرائيل والسعودية”، قال بنيامين بارت مراسل صحيفة لوموند ببيروت إنه بالنسبة لدول الخليج فإن العداء لإيران أهم من مصير الفلسطينيين.
ونبّه بارت إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “مولع بالقطيعة مع الماضي، وأظهر ذلك في أكثر من مثال، وأثبته في المجال الدبلوماسي من خلال تهيئة مناخ جديد إزاء إسرائيل التي لا توجد لها علاقات رسمية مع السعودية، وإن كان التعاون والاتصالات الأمنية موجودين بين الطرفين منذ عدة سنوات، لكن من وراء الكواليس، غير أن علامات التقارب بينهما تضاعفت في الأشهر الأخيرة، ولم يعد التطبيع من المحظورات”، على حد تعبيره.
وعددت الصحيفة بعض تلك العلامات، مثل زيارة أحد رجال الدين السعوديين المقربين من ابن سلمان لكنيس يهودي في باريس، ومشاركة المدير السابق للمخابرات السعودية تركي الفيصل برفقة المدير السابق للموساد الإسرائيلي إفراييم هالي في ندوة بكنيس يهودي في نيويورك.
وفي نظر العديد من المحللين، تعتبر هذه المبادرات وسيلة لإعداد الرأي العام في الخليج لإضفاء الطابع الرسمي على الروابط بين الدولتين، كما بدأ تضامن المجتمعات الخليجية مع الفلسطينيين يشهد بعض علامات الضعف والفتور.
فالمزاج المتقلب لابن سلمان ومطالبته بإعادة تشكيل المنطقة، وسمات الشخصية التي أظهرها في تعامله مع قضيتي رئيس الوزراء اللبناني وقطر، تزيد من احتمال حدوث “انفجار عظيم” بالشرق الأوسط، حسب بارت.
ذلك الانفجار الذي حذرت صحيفة لوفيغارو من وقوعه بسبب اختزال العلاقة بين واشنطن والرياض في عائلتي ترمب وابن سلمان؛ “فالعلاقات الأميركية السعودية، التي كانت في السابق تستند إلى شبكة متطورة من التبادلات الرسمية وغير الرسمية، أصبحت فجأة لعبة غامضة وشخصية للغاية بين عائلة ترمب والأمير ابن سلمان، الذي يهدف إلى زعزعة الرموز وتغيير الوضع الراهن، مما يثير الرعب في عالم الدبلوماسية”، على حد تعبير الصحيفة.
ولذلك الرعب ما يبرره؛ فترمب -مثلا- كلف زوج ابنته اليهودي جارود كوشنر بالسعي لحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية رغم أنه -حسب لوفيغارو- “يفتقد لأي نوع من أنواع التجربة في المنطقة، ويعمل دون أي خطة رسمية، ولا يحيط نفسه بأي خبراء في شؤون الشرق الأوسط”.
وهو ما ندد به السفير الأميركي السابق بالرياض تشاس فريمان قائلا “أين دبلوماسيونا العظيمون؟ لم تعد ثمة خطة أميركية! الخطة الوحيدة هي “الأنا” للرئيس، إننا ننقض نفوذنا الذي بنيناه بأيدينا”.
لكن ما الخطة التي تسربت بشأن حل الصراع العربي الإسرائيلي؟ وما مدى اندفاع الرياض في الضغط من أجل تنفيذها؟ وأين القدس من كل ذلك؟
خطة السلام
هذا ما حاولت صحيفة ميديابارت الإلكترونية الرد عليه في تقرير قالت فيه إن اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل يندرج ضمن خطة سلام حاولت أميركا بمساعدة السعودية الضغط على الفلسطينيين لقبولها.
فخلال الأشهر الماضية، تشكل حلف لم يسبق له مثيل، ضم إضافة إلى أميركا طرفين كانا إلى وقت قريب عدوين لدودين هما السعودية وإسرائيل، واستخدم هذا الحلف نفوذه لإقناع القادة الفلسطينيين بقبول خطة سلام جديدة أو إجبارهم على ذلك.
وحسب هذه الخطة، يحصل الفلسطينيون على دولة مفككة الأوصال ومحدودة السيادة في أراضيها بالضفة الغربية، مع بقاء أغلب المستوطنات الحالية في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية.
وتصبح بموجب هذه الخطة القدس عاصمة لإسرائيل، ولكن ليس للدولة الفلسطينية المتناثرة التي يمكن أن تنشئ عاصمتها في أبو ديس، وهو تجمع في القدس الشرقية لكنه معزول عن المدينة بالجدار الفاصل. وينص بند آخر من هذه الخطة على أنه لن يكون هناك اعتراف بحق العودة ولو بشكل رمزي للفلسطينيين وذريتهم.
وهذه خطة أسوأ بالنسبة للفلسطينيين حتى من كل المقترحات التي كانت إسرائيل تقدمها خلال مفاوضات السلام، كما أنها تدوس على كل قرارات الأمم المتحدة الرئيسية بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية، على حد تعبير ميديابارت..
وبعد أن مارست الرياض الضغوط تلو الضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لقبول هذه الخطة، ولم تفلح في ذلك، وبعد أن أحست بالحرج من استياء الجمهور العربي من تلك المقترحات التي تبدو “إملاءات إسرائيلية”، بدأت تتراجع “بطريقة فوضوية” نافية أن تكون المملكة قد قدمت مثل هذه الخطة أصلا.
وهنا أخذ ترمب زمام المبادرة، فأعلن -حسب الصحيفة- في البداية إغلاق ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، قبل أن يتراجع عن ذلك ويقرر في خطوة أكثر تصعيدا نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهو ما يفسّر اليوم على أنه اعتراف بأن القدس هي عاصمة إسرائيل.
وبعد هذا التحليل، تساءلت الصحيفة عن سبب هذا التحالف السعودي الإسرائيلي، وهذه التنازلات التي لم يسبق لها مثيل؟ قائلة إن مفتاح كل ذلك هو تطابق وجهات النظر الأميركية السعودية الإسرائيلية من إيران، إذ يرى فيها كل من الأطراف الثلاثة غريما له، وإن اختلفت الأجندات والدوافع.
وهذا ما يؤكد ما أورده بارت في تقريره بلوموند من أن العداء لإيران أهم بالنسبة لدول الخليج من مصير الفلسطينيين.