واشنطن- هل باتت أيام الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالبيت الأبيض معدودة؟ سؤال طرحه كثيرون في ظل إعلان الواشنطن بوست أن المحققين قد يستجوبون الرئيس خلال الأسابيع المقبلة بخصوص التدخل الروسي برئاسيات 2016، وشمل التحقيقات دائرة المقربين منه، إلى جانب نشر كتاب “نار وغضب” الذي قال مؤلفه مايكل وولف إنه سيعجل بالإطاحة بحاكم البيت الأبيض.
وفي الوقت الذي يشدد فيه ترمب وإدارته على أن الوضع تحت السيطرة، وأنه لا يوجد تواطؤ في ملف موسكو والانتخابات الأميركية، صار واضحا أمام الجميع أن ترمب لا يقضي أجمل أيامه في المكتب البيضاوي، ليس فقط بسبب تحقيقات روبرت مولر، وما يعتبرها خيانات المقربين منه.
لكن أيضا بسبب تنامي حالة الرفض الداخلي والخارجي لقراراته التي قضت مضجع الحلفاء والأعداء على حد سواء، وجعلت الولايات المتحدة شبه معزولة عن النسق السياسي الدولي العام كما اتضح في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح رفض تغيير واقع القدس المحتلة التي اعترف بها ترمب عاصمة لإسرائيل.
كل ذلك ـ وغيره كثير من القضايا الداخلية ـ يرسم صورة سوداء لمستقبل حاكم البيت الأبيض ولمّا ينهي بعد عامه الأول على عرش أقوى دولة في العالم.
مولر.. الكابوس
لم تكد عاصفة الانتخابات الرئاسية الأميركية تمر ويُختار ترمب رئيسا، حتى تفجرت الاتهامات حول تورط روسيا في توجيه الانتخابات لإفشال مهمة هيلاري كلينتون، وترجيح كفة ترمب.
وفي الوقت الذي سارع فيه الرئيس الجديد وعناصر إدارته لنفي كل الاتهامات الموجهة إليهم، تطورت الأحداث بالاتجاه المعاكس، فاضطرت وزارة العدل الأميركية للإعلان عن تعيين مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق روبرت مولر مستشارا خاصا لرئاسة التحقيق بشأن التدخلات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مشددة على أن المصلحة العامة اقتضت وضع التحقيق تحت سلطة شخص يتمتع بالاستقلالية للإشراف على التحقيق.
وسرعان ما بدأت التحقيقات، وشملت كثيرا من معاوني الرئيس، وشهدت منعطفا نوعيا بداية ديسمبر/كانون الأول 2017 باعتراف مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في البيت الأبيض الجنرال مايكل فلين بكذبه أثناء التحقيقات.
أسابيع قليلة قبل ذلك، اتهمت السلطات الأميركية بول مانافورت المدير السابق لحملة ترمب بالتآمر ضد الولايات المتحدة وغسل الأموال، ليكون أول متهم في إطار التحقيق الخاص بالتدخل الروسي في الانتخابات.
وفي محاولة منه لترجيح كفة الميزان، تقدم بول مانافورت مع بداية العام الجديد 2018 بدعوى قضائية ضد مولر ووزارة العدل بتهم تخطي صلاحيات.
الخناق يضيق
ترمب وسط هذه الدوامة احتفظ بلازمة نفيه اتهامات الارتباط بملف التدخل الروسي في الرئاسيات الأميركية، مرددا بشكل دائم أن الجميع يخبره أنه ليس موضوع تحقيق من طرف أجهزة مكتب التحقيقات الفدرالي.
لكن حبل التحقيقات اقترب منه كثيرا، ومس مقربين منه. ففي السابع من سبتمبر/أيلول الماضي استجوبت لجنة تابعة للكونغرس الأميركي في جلسة مغلقة استمرت خمس ساعات ترمب الابن (39 عاما).
وركز الاستجواب على لقاء ترمب الابن في 9 يونيو/حزيران 2016 مع محامية روسية قدمت من موسكو تدعى ناتاليا فيسيلنيتسكايا وقدمت نفسها على أنها “محامية الحكومة الروسية”، واعترف هو لاحقا بأنه التقاها، معتقدا أنها قادرة على تقديم معلومات تضر بهيلاري كلينتون.
كما أن صحيفة “باستل” (تأسست عام 2013 وتهتم بالقضايا النسائية) كشفت يوم 6 يناير/كانون الثاني الجاري أن لجنة مولر تحقق في علاقة محتملة بين إيفانكا ترمب والمحامية الروسية نفسها فيسيلنيتسكايا.
وفي 24 يوليو/تموز الماضي، استجوب محققون من مجلس الشيوخ جاريد كوشنر-زوج إيفانكا- بشأن اتصالاته بالروس، ونفى كوشنر الاتهامات الموجهة إليه، لكن فلين الذي أقر بالكذب على السلطات بشأن اتصالاته بالمسؤولين الروس، وتعهد بالتعاون، أكد للجنة التحقيق أن “عضوا رفيعا جدا” في فريق ترمب أمره بالاتصال بمسؤولين روس، ونقلت صحف أميركية أن الشخص المقصود هو كوشنر.
وأوضحت قناة أن.بي.سي وقتها أن كوشنر أوعز إلى فلين بالاتصال بالروس يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 2016 تقريبا، وأعلنت سي آن آن من جانبها أن مستشارة ترمب السابقة كي.تي مكفارلاند تحدثت أيضا مع فلين لتوجيهه إلى الاتصال بالمسؤولين الروس.
اتهام ترمب؟
إقرار فلين بالكذب، وتلميحه لكون كوشنر هو من أمره بالتواصل مع الروس، والتهم التي وجهت لمانفورت، ومقربين آخرين من ترمب، كل ذلك عزز فرص توجيه الاتهام لحاكم البيت الأبيض بكونه يقف خلف الدفع باتجاه إجراء اتصالات سرية مع موسكو.
وما يعزز هذا المسعى إعلان صحيفة الواشنطن بوست في 9 يناير/كانون الثاني الجاري أن المحقق مولر قد يستجوب الرئيس ترمب خلال الأسابيع المقبلة في إطار التحقيقات الروسية، حيث نقلت عن مصدرين مطلعين أن مولر طرح مسألة استجواب ترمب خلال اجتماع عقده مع عدد من محامي ترمب في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبحسب مصدر مقرب من الرئيس ترمب -تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته- فاللقاء المباشر بين ترمب ومولر قد يعقد خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن الفريق القانوني لترمب يبحث الخيارات الموجودة في حال تقرر استجواب الرئيس، وبينها تقديم إجابات خطية للمحققين عوض عقد اللقاء المباشر. وبحسب مصادر مطلعة فإن هذه المناقشات بدأت مباشرة بعد توجيه المحقق مولر تهما لبول مانفورت.
وصرح ترمب -الذي سبق له أن وصف تحقيقات التدخل الروسي بـ “المفبركة لأهداف سياسية”- في السادس من يناير/كانون الثاني الجاري أنه مستعد للقاء لجنة مولر، نافيا بالمطلق وجود أي تواطؤ، ومجددا تأكيده أن الجميع يخبره أنه ليس موضوع تحقيقات.
ترمب الذي قدم هذا التصريح هو الذي فاجأ الجميع وأعلن يوم 9 مايو/أيار 2017 إقالته لمدير الأف بي آي السابق جيمس كومي الذي كان يحقق في احتمال التنسيق بين مقربين من ترمب وروسيا قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وإلى جانب التدخل الروسي في الانتخابات، هناك شبهات حول احتمال تورط ترمب في عرقلة العدالة، وقالت نيويورك تايمز يوم 5 يناير/كانون الثاني 2018 إن التحقيقات إذا أثبتت أن ترمب وجّه نجله لإصدار تصريحات غير دقيقة بخصوص لقائه مع المحامية الروسية، فإن ذلك سيكون ضربة قاسية للرئيس الذي سيحمل عبء تهمة عرقلة العدالة.
ضربة يرى البعض أنها باتت قريبة، خاصة إذا صحت معلومات أوردتها صحيفة “ذي هيل” (The Hill) الأميركية يوم 5 يناير/كانون الثاني 2018 تقول إن المحقق روبرت مولر ربما لديه “حنجرة عميقة” من المقربين من ترمب، يشتغل معها بعيدا عن الأعين في ملف ترمب والتدخل الروسي بالرئاسيات.
و”الحنجرة العميقة” هو لقب أطلق على المسؤول السابق في الأف بي آي مارك ويليام فيلت الذي سرب وثائق تنصت الرئيس ريتشارد نيكسون على الحزب الديمقراطي في الفضيحة التي عرفت بووترغيت، ودفعت نيكسون لتقديم استقالته.
وسواء صح أمر “الحنجرة العميقة” أم لا، فالمؤكد أن ترمب ليس بخير، وحبل التحقيقات ضيق الخناق عليه وعلى المقربين منه، وإذا كان الرئيس نيكسون اختار تقديم الاستقالة قبل أن يصدر الرئيس جيرالد فورد -الذي خلفه- عفوا عنه “لأسباب صحية”، فإن خصوم ترمب يعيشون على أمل الاستيقاظ ذات صباح على مثل هذا النبأ، في حين هو ما يزال مصرا على أنه فوق الشبهات.