مدارس أمريكا.. “التعليم المسلّح” وجدوى تصدّيه لـ”ثقافة القتل”
واشنطن- اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مناسبتين منفصلتين خلال الأسبوع المنصرم، تسليح المعلمين وتدريبهم على حمل السلاح، لتفادي حوادث إطلاق النار الجماعي التي تخلف مذابح داخل المدارس الأمريكية.
اقتراح اعتبره عدد من الخبراء “حلا رخيصا وسريعا لمشكلة صعبة وباهظة الثمن”، بحسب ما أفادت الجمعة، مجلة “تايم” الأمريكية.
والسؤال الأهم الذي يفرضه اقتراح ترامب، يتعلق بمدى فاعلية “التعليم المسلح” في حماية الطلاب من “ثقافة القتل” المنتشرة في الولايات المتحدة؛ والتي تودي بحياة نحو 13 ألف شخص سنويا، وفق بيانات للمنظمة الأهلية “كل مدينة للسلامة من الأسلحة”.
وبهذا الخصوص تقول ديبرا سياماكا، وهي مدرسة خدمت سابقا في البحرية الأمريكية (1980 ـ 1984)، إنه “لا مكان للأسلحة في فصول الدراسة، فأي شخص جيد يحمل سلاحاً قد يتخذ قرارا سيئاً، خاصة أثناء التوتر الشديد”.
وفي حديثها مع مجلة “تايم”، انتقدت سيامكا، قرار ترامب قائلة “المعلمون مرشدون ومحاضرون، والسلاح يباعد بين الطالب والمعلم”.
وشدد مركز أبحاث “هارفرد للسيطرة على الإصابات” (تابع لكلية الصحة العامة في جامعة هارفرد الأمريكية) عام 2016، أنّ “زيادة حمل البنادق يؤدي إلى زيادة عدد الوفيات، والأمر ينطبق على الفصول الدراسية”.
كما أشار موقع “فوكس” الأمريكي أن المشكلة الأساسية في الولايات المتحدة “هي وجود الكثير من الأسلحة قيد التداول في المجتمع؛ ما يؤدي إلى تفاقم حدة أي نزاع سريعا ليتحول إلى واقعة عنف مسلح”.
ويؤكد الموقع، في تقرير له الجمعة، أن تلك الفرضية لن تتغير في حال تم منح المعلمين رخصة حمل السلاح داخل الفصول الدراسية والمدارس.
معارضة اقتراح “ترامب” حول “تسليح التعليم” لم تقتصر على المختصين، إذ عارضه أيضا نيكو هوكلي، والد أحد ضحايا العنف المسلح داخل المدارس في ولاية كونكتيكت، شمال شرقي الولايات المتحدة، بحسب ما أوردته صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، الأربعاء الماضي.
يقول هوكلي الذي فقد ابنه (6 أعوام) في إطلاق نار بمدرسة “ساندي هوك الإبتدائية” عام 2012 “عوضا عن تسليح المعلمين بالبنادق، أتمنى أن يتم تسليحهم في المقام الأول، بسبل منع هذه الممارسات من الحدوث”.
كلمة السر
سؤال آخر لا يقل أهمية، يدور حول السبب الذي يدفع الرئيس ترامب نحو “عسكرة التعليم” والسعي نحو نشر مزيد من الأسلحة بين المواطنين بدلا من منعها.
ربما تكمن كلمة السر في “الرابطة الوطنية للبنادق” (أمريكية عير ربحية)، والتي تحظى بقوة ضغط هائلة بالولايات المتحدة.
يقول الكاتب حسين عبد الحسين، في مقال له إنّ “الرابطة تعرف بتأثيرها الفعلي على المشرعين في الكونغرس، وتستخدم هذا التأثير للحيلولة دون صدور أي تشريعات لحظر بيع السلاح بين المواطنين الأمريكيين”.
وكان ترامب قد وجه كلمة في 28 أبريل/نيسان 2017 خاطب فيها الرابطة قائلا: “لقد بات لكم صديق حقيقي في البيت الأبيض”.
وأضاف في كلمة موثقة بالفيديو “لقد ساندتموني خلال وقت عصيب، وسأرد لكم ما فعلتموه معي”.
ويعد ترامب أول رئيس يخاطب تلك الرابطة منذ عهد رونالد ريغان (1981- 1989).
حقائق مرعبة
وتعتبر حيازة الأفراد للسلاح في الولايات المتحدة حقا دستوريا، بموجب دستور البلاد لعام 1791.
وينص القانون الأمريكي على أن شراء السلاح بشكل قانوني يستوجب تحرٍ لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) عن سجل السوابق الجنائية للمشتري، لكن الأرقام تشير أن نحو نصف عمليات بيع الأسلحة تتم بصفة غير قانونية.
وعلى سبيل المثال، لا يحتاج حمل السلاح إلى ترخيص، كما في بعض الولايات على غرار تكساس (جنوب)، كما تتم عملية البيع والشراء للأسلحة والذخيرة بسلاسة على المواقع الإلكترونية.
وفيما تشكل الولايات المتحدة أقل من 5 بالمائة من سكان العالم، تمتلك أكبر عدد من البنادق المملوكة للقطاع الخاص (الأفراد) في العالم.
وعام 2007، قدر عدد الأسلحة النارية المملوكة للمدنيين في الولايات المتحدة بـ 88.8 بندقية لكل 100 شخص، ما يعني أن هناك ما يقرب من بندقية خاصة لكل مواطن.
وفي 15 فبراير/ شباط الجاري، وثقت منظمة “كل مدينة للسلامة من الأسلحة”، حدوث إطلاق نار في مدارس الولايات المتحدة كل يومين ونصف اليوم (60 ساعة).
وقالت إنّه “في غضون 7 أسابيع من بداية العام 2018، وقع 18 حادث إطلاق نار في مدارس البلاد، أي أن هناك اعتداء بأسلحة يحدث كل يومين ونصف اليوم في إحدى المدارس”، بحسب مجلة “بوليتيكو” الأمريكية.
وفي 14 من الشهر الجاري شهدت إحدى مدارس ولاية فلوريدا (جنوب شرق) الولايات المتحدة، حادث إطلاق نار، أسفر عن مقتل 17 شخصًا بين طالب ومعلم.
وتكفي الإشارة إلى إحصائية صدرت الاثنين 26 فبراير 2018 عن منظمة “أرشيف العنف المسلح” (غير حكومية)، للوقوف على حجم الكارثة، إذ أفضت حوادث إطلاق النار التي شهدتها الولايات المتحدة منذ مطلع العام الجاري إلى مقتل ألفين و249 شخصا.
وبلغ عدد حوادث إطلاق النار التي وقعت منذ بداية العام، 6 آلاف و572 واقعة، سقط فيها 69 طفلًا دون الحادية عشر بين مصاب وقتيل.