كيف تقرَّر مصائر الشعوب في الأمم المتحدة؟
نيويورك- تعتبر القضايا التي تطرح أمام مجلس الأمن الدولي من بين الأخطر التي يمكن أن يواجهها أي جهاز لصنع القرار يتعامل مع مسائل تتصل بالحرب والسلم والحياة والموت، مما يدفع مختلف الأطراف داخل هذه الهيئة إلى استخدام تكتيكات مختلفة لدعم مواقفها.
ويقول الدبلوماسيون الذين يعقدون اجتماعات يومية في مقر المنظمة الأممية في نيويورك، إنهم يسعون للتوصل إلى توافق. لكنهم في الحقيقة إنما يعملون على ضمان أن يعكس قرار المجلس مصلحة بلادهم القومية.
وفي هذا الخضم، “تتم الأمور على المستوى الشخصي” يقول دبلوماسي لوكالة الأنباء الفرنسية، قبل أن يضيف “بدون الثقة لن نصل إلى أي شيء”.
وخلال الأسبوع الماضي على سبيل المثال، اتحد المجلس لتأييد وقف إطلاق النار في سوريا، إلا أنه أخفق في الاتفاق على توجيه توبيخ لإيران كانت تتمناه الولايات المتحدة التي تتهم طهران بالتدخل في الأزمة اليمنية، لكن روسيا تدخلت ومنعت ذلك.
وفي كل حالة كانت أبعاد المعركة معروفة، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يعارضون التدخلات الروسية والإيرانية في شؤون منطقة الشرق الأوسط.
العلاقات الشخصية
ويمكن تلخيص كلمة السر في أي مفاوضات داخل أروقة الأمم المتحدة وهياكلها في “العلاقات الشخصية”، فمهما كانت الاختلافات بين المواقف المعلنة للدول المتخاصمة، فإن الدبلوماسيين في مبنى الأمم المتحدة يعملون معا كل يوم، فتتطور صداقات حذرة وخصومات ودودة، كما تتشكل عداوات أحيانا. وتلعب العلاقات الشخصية أحياناً دوراً في تقرير الشؤون الرسمية.
ويقول الدبلوماسي “على المستوى الخاص فإن العلاقات أقل مأساوية مما تظهر عليه في العلن” بالنظر إلى العلاقات التي نسجوها بينهم على مدار سنوات.
وهكذا تعتبر سفيرة واشنطن في مجلس الأمن والحاكمة السابقة لولاية كارولينا الجنوبية نكي هيلي السياسية الوحيدة في المجلس الذي يعج بالدبلوماسيين المخضرمين.
مع ذلك، حققت هيلي العام الماضي انقلابا دبلوماسيا عندما استطاعت الحصول على موافقة الصين وروسيا على قرار بالإجماع لفرض عقوبات على كوريا الشمالية. لكن هيلي كانت يوم الاثنين في هندوراس، وتسلم زميل لها مقعد بلادها عندما تحركت روسيا لوقف جهود إدانة إيران.
وبالإضافة إلى العلاقات الشخصية، يتم أحيانا التوصل إلى توافق من خلال التلاعب بالإجراءات. فالعام الماضي امتنعت الصين عن إدانة جارتها ميانمار، ولكنها سمحت لرئيس مجلس الأمن بإصدار بيان رئاسي بالخصوص.
الخطوط الحمراء
ونظريا فإن الحصول على بيان سياسي ليس أسهل من الاتفاق على إصدار قرار دولي، لأن أي عضو من أعضاء المجلس الـ15 يستطيع الاعتراض على النص. وكما قال أحد الدبلوماسيين فإنه من المهم السماح للخصم “بحفظ ماء الوجه”.
وقال أحد المفاوضين “عليك احترام الجانب الآخر عندما يكشف الخطوط الحمراء التي لن يتخطاها”، بينما قال آخر “ذلك أمر صعب على الأعصاب”.
ولكن المحادثات تبدأ قبل التصويت، ويتصل معظم السفراء مع عواصمهم للمشورة قبل أن يصوتوا بالموافقة أو الاعتراض أو يمتنعوا عن التصويت.
وتوجد غرفة مؤتمرات مخصصة للدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة وهي بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بينما خصصت غرفة أخرى للدول العشر التي لا تملك عضوية دائمة في المجلس.
وعندما تطرح أي قضية للنقاش، يلتقي الخبراء من مختلف الدول لتحديد النطاق الدبلوماسي.
توزيع الأدوار
وبعد ذلك يتولى “منسقون” من كل بعثة دولية رسم حدود النقاش، وإلا فإن السفراء أو نوابهم هم من يمسكون بالزمام.
ويتم توزيع الأدوار، فتتولى الدول رئاسة المجلس دوريا، ويتولى طرف متنفذ صياغة مسودات القرارات، رغم أن جميع الأعضاء يصوتون على القرار في النهاية.
فبالنسبة للقرار الأخير بشأن سوريا بعد تكثيف النظام عملياته في الغوطة الشرقية، تولت الكويت والسويد القيادة. أما بالنسبة للنصوص الخاصة باليمن أو ميانمار، فتلعب بريطانيا الدور الأكبر.
وفي حالات أخرى عندما لا يكون التوصل إلى توافق ممكنا، يمكن للدولة أن تغير دورها أو تعززه. فعلى سبيل المثال، في المناقشات الأخيرة بشأن سوريا، لعبت فرنسا دورا قريبا من الوسيط، ودعيت الصين إلى اجتماعات مجموعات صغيرة.
وقد صرح السفير الروسي فاسيلي نيبيزيا أنه شكر نظيره الفرنسي فرانسوا ديلاتري برسالة نصية للعبه دورا محوريا في قرار وقف إطلاق النار.
وفي تكتيك آخر، ظهر السفراء العشرة للدول غير الدائمة العضوية في المجلس يوم 22 فبراير/شباط الماضي جنبا إلى جنب أمام عدسات الصحفيين للإعراب عن قلقهم المشترك من مماطلة روسيا.
وبعد يومين كان العالم يتساءل هل كانت روسيا ستوافق على الهدنة في سوريا؟
وقال دبلوماسي “لقد كنا على وشك الإخفاق”، مضيفاً أن تحدي القدر والضغط على روسيا للتصويت كان “حركة نادرة”. ولكن هذه الحركة نجحت، فقد اجتمع الأعضاء الآخرون وصوتوا لصالح القرار.