زيد بن رعد يستعد لترك منصبه الأممي بسجل مشهود دوليا
جنيف- يستعد المفوض السامي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة الأردني زيد بن رعد الحسين إلى ترك منصبه الرفيع في يونيو/حزيران المقبل بعد إحجامه عن الترشح لولاية ثانية بسجل مشهود دوليا.
ويجمع مراقبون وحقوقيون على أن ترك زيد بن رعد لمنصبه يمثل خسارة هائلة للدور الحقوقي على المسرح الدولي بالنظر للدور الإيجابي الذي لعبه الرجل على مدار أربعة أعوام من شغله منصبه وما تبناه من مواقف جريئة عارضتها الكثير من حكومات العالم كونه يكشف انتهاكاتها.
وتبني زيد بن رعد مواقف داعمة لحقوق الإنسان في العالم خاصة في منطقة الشرق الأوسط وعمل على إبراز صورة واضحة لانتهاكات الدول خصوصا في بلدان سوريا واليمن ومصر ومنطقة الخليج العربي إلى جانب الأراضي الفلسطينية.
ويشيد حقوقيون بمسيرة الرجل منذ أن شغله منصبه الدولي وعدم انصياعه لضغوط مارستها حكومات ودول ومنظمات نافذة عليه بغرض التأثير عليه ودفعه لتزوير الحقائق وهو ما رفض الاستجابة له.
وكان زيد بن رعد أعلن في كانون أول/ديسمبر الماضي أنه لن يسعى للترشح لولاية ثانية عند انتهاء ولايته في حزيران/يونيو 2018 نظراً للظروف الجيوسياسية الراهنة، حسب بريد إلكتروني أرسله إلى فريق عمله.
وفي رسالة إلكترونية وجهها إلى طاقم عمله كتب المفوض الأممي الذي وجه انتقادات حادة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكشف انتهاكات العديد من الدول في الشرق الأوسط “قررت ألا أترشح لولاية ثانية مدتها 4 سنوات، إذ أن الإقدام على ذلك في الظروف الجيوسياسية الراهنة، قد يتطلب الركوع والتوسل وتقليص استقلالية صوتي الذي هو صوتكم ونزاهته”.
ولاحقا أكد ستيفان دوجاريك الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن رعد بن زيد أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بقراره عدم الترشح لولاية ثانية.
وكان لافتاً إعلان مكتب الأمين العام وقوفه وراء زيد بن رعد بن الحسين على الأقل شكلياً، حيث تتعالى الانتقادات لمكتب الأمين العام لأن غوتيريس يحاول الابتعاد عن أي اشتباك مع الإدارة الأميركية وغيرها من الدول النافذة. في المقابل حاول المفوض السامي لحقوق الإنسان التطرق للعديد من الأمور الحساسة وانتقاد رؤساء الدول والسياسات التي تخرق حقوق الإنسان.
وكان واضحاً التضارب بين مواقفه ومواقف الأمين العام للأمم المتحدة. إذ أن غوتيريس رفض في أكثر من مناسبة إطلاق أي تصريحات قد تغضب الدول الكبرى أو ذات التأثير القوي في الأمم المتحدة بسبب موقعها الدولي أو أموالها.
أما المفوض السامي فكان أكثر وضوحاً مما أحرج في أكثر من مرة الأمين العام، الذي يحاول أن يمسك العصا من الوسط دون فائدة، لأنها تميل في الغالب ناحية الجهات المتطرفة على الساحة الدولية.
وانتقد زيد بن رعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشدة، حتى قبل أن يفوز بالرئاسة الأميركية نهاية العام الماضي. وقال في أحد تصريحاته إن “ترامب ينشر تعصباً عرقياً ودينياً خطيراً”، كما حذر من تصاعد نبرة اليمين المتطرف والشعبوي في الولايات المتحدة وأوروبا إلى العنف، واتهمه باستخدام أساليب ترهيب تشبه تلك التي يستخدمها تنظيم “داعش” الإرهابي، ذاكراً إضافة إلى ترامب، كلاً من مارين لوبان في فرنسا ونايجل فارج في بريطانيا والهولندي خيرت فيلدرز.
أما أبرز تصريحاته في الآونة الأخيرة فكانت انتقاداً شديداً لقرار الولايات المتحدة نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، إضافة إلى تصريحاته كمفوض لحقوق الإنسان حول مقتل الفلسطينيين والسجن والتعذيب الذي يعانون منه تحت الاحتلال.
وبخصوص الوضع في اليمن، فقد انتقد في أكثر من مناسبة ما يجري هناك من خروقات لحقوق الإنسان في ظل الحرب التي تتعرض لها البلاد من دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات.
وفي العام الماضي عين زيد بن رعد لجنة من المختصين وقال في بيانه حول تعيينها “على مدى ثلاث سنوات، كان الشعب اليمني عرضة للقتل والدمار واليأس، لذلك من الضروري أن يتم تقديم الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الانتهاكات والتجاوزات إلى المساءلة”.
ثم أضاف: “يشكل تأسيس الفريق خطوة مهمة من أجل المساءلة والقضاء على الإفلات من العقاب في ما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ترتكبها كل الأطراف في اليمن وسط تدهور الأزمة الإنسانية في البلاد، ومن أجل ضمان حصول الضحايا على العدالة والتعويضات”.
يأتي كل ذلك في وقت هددت فيه الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان بدعوى أنه “يدين إسرائيل” فقط. وتكشف مجلة “فورين لوليسي” في تقريرها الأخير أن غوتيريس طلب من زيد بن رعد التخفيف من حدة لهجته في تصريحاته.
ويذكر أن المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين كان قد تقلد منصبه في أيلول/سبتمبر عام 2014 بعد موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون.
وهو كان سابع شخص يتولى المنصب الذي يتم التجديد له عادة لولاية ثانية، وكان أول شخص عربي ومسلم ومن آسيا يتقلد هذا المنصب. وإضافة إلى تقلده العديد من المناصب الدبلوماسية رفيعة المستوى كسفير لبلاده، الأردن في واشنطن وللأمم المتحدة في نيويورك، فقد لعب دوراً مهماً على صعيد حقوق الإنسان في منظمات الأمم المتحدة المختلفة، بحسب الأمم المتحدة نفسها، وهو متخصص في “مجالات العدالة الجنائية الدولية، والقانون الدولي، وعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وبناء السلام بعد النزاعات، والتنمية الدولية، ومكافحة الإرهاب النووي”.
وقد لعب دوراً مركزياً في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، حيث ترأس المفاوضات المعقدة لتحديد أركان كل جريمة من الجرائم التي تبلغ حد الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وأصبحت المحاكم في شتى أنحاء العالم تستشهد الآن بتعريف “الجرائم ضد الإنسانية”، بعد أن فُصِّلت “أركانها”، باعتباره تعريفاً ذا حجية.