إسطنبول- أوروبا بالعربي
جرت العادة أن يخرج ممثلو العمال في تركيا بالأول من مايو/ أيار كل عام في تظاهرات للمطالبة بمزيد من الحقوق، من رفع الحد الأدنى للأجور ومزيد من الضمانات والتأمينات الصحية والاجتماعية، على الرغم من التبدل الكبير الذي تشهده تركيا، خلال حكم حزب العدالة والتنمية، الذي رفع دخل الأتراك، على سبيل المثال، من 1400 دولار عام 2002 إلى نحو 11 ألفاً هذا العام، مع وعود بوصوله إلى 25 ألف دولار عام 2023 خلال مئوية تأسيس الجمهورية.
إلا أن ذلك لم يُلغِ تظاهرات عيد العمال التي تخللتها مواجهات مع قوى الأمن أدت إلى توقيفات، بعدما أوقفت السلطات العام الماضي 165 شخصاً في إسطنبول وحدها خلال تظاهرات العيد العام الماضي.
العيد تجده الأحزاب المعارضة، وفي مقدمتها “الشعب الجمهوري”، فرصة للغمز من قناة الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” ورفع الصوت لزيادة الأجور وإنصاف العمال، ولا تخلو تظاهرات العمال من بعض أعمال الشغب والعنف، إذ تم ضبط زجاجات حارقة وأقنعة وزجاجات أصباغ العام الماضي، خلال مظاهرات العمال بشارع الاستقلال القريب من ساحة تقسيم في إسطنبول.
رجب شان تورك يرى أن القوانين التركية لا تمنع تظاهرات العمال “إن كانت مرخصة”، لأنها طريقة للتعبير عن مطالبهم التي عادة ما تتم تسويتها إن كانت محقة، عبر اجتماعات بين أرباب العمل وممثلي العمال وجهات حكومية.
ويشير الأكاديمي التركي إلى أن الإضرابات هي طريقة قديمة ومتبعة منذ عام 1933، إذ شهدت الحركات العمالية إضرابات، تم بعدها إلغاء الاحتفال بعيد العمال، ليعود ثانية بعد عام 1950 ليأخذ العمال حقوقهم، حتى بالتعبير عبر التظاهرات، خلال حكومات العدالة والتنمية.
ويضيف الأستاذ الجامعي في إسطنبول أن تركيا كانت توصف بين الدول التي لا تنصف العمال، لكنها اليوم، بعد رفع سقوف التأمين الصحي وتحسين الخدمات الطبية وبعد رفع الحد الأدنى للأجور، تشهد تطورات كثيرة في هذا المجال.
وحول نسبة البطالة المرتفعة نسبياً، نحو 10.4%، يقول شان تورك “تنصب مساعي الحكومة على امتصاص وتقليل نسبة البطالة، وهي فعلاً تتراجع وستتراجع بعد البدء بتنفيذ المشروعات الكبرى والخطط الاقتصادية الناجحة”، و”دخلت عمالة خارجية إلى سوق العمل التركية، وخاصة من سورية، أكثر من مليون عامل، وتسببت بجزء من البطالة، لأن بعض أرباب العمل يرحبون بالعمالة السورية ولا يطالبون أمامها بالحد الأدنى للأجور أو حتى بالتأمينات”.
ويرى مختصون أن خارطة سوق العمل تتبدل بتركيا، بعد دخول المشاريع الكبرى حيز التنفيذ، وبدء ظهور قطاعات حديثة، كالتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية.
ويصف الاقتصادي نزار البيطار الأتراك بأنهم “محبون للعمل إلى درجة العبادة، وتقييم الإنسان بتركيا من خلال التزامه وإتقانه العمل”.
ويقول البيطار، المستثمر في قطاعات الغذاء، إن “شروط العمل بتركيا صارمة ولا يوجد تهرب أو تساهل لجهة ضبط المواصفات، وهو ما أوصل الصناعة التركية إلى مرتبة العالمية وباتت سلعها مطلوبة ومنافسة في كبريات الأسواق، وخاصة الجلديات والنسيج والزراعية”.
وحول عدد العمال في تركيا، يضيف البيطار أن بعض المصادر تقول عن 17 أو 20 مليوناً، لكن الرقم أكثر من 30 مليون عامل بتركيا، والخلط دائماً يأتي بين العمال المسجلين وغير المسجلين، فهنا على سبيل المثال، عمال الزراعة والإنشاءات وبعض المهن اليدوية غير مسجلين.
ويلفت البيطار إلى تطور تركيا في مجال ريادة الأعمال والإبداع، إذ احتلت العام الماضي المرتبة 11 عالمياً، وذلك يؤشر إلى مناخ العمل والاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
وتشير مصادر رسمية إلى أن قطاع الخدمات يستقطب النسبة الكبرى من العمالة في تركيا، بنسبة 48% من حجم العمالية ويساهم بنحو 63% من الناتج القومي التركي، يليه القطاع الصناعي بنحو 26.5% من ثم القطاع الزراعي بنحو 25% من حجم العمالة.
ويرى مراقبون أن الرواتب والأجور، على الرغم من رفع الحد الأدنى هذا العام، لا تزال غير متناسبة مع تكاليف المعيشة، بعد تراجع سعر صرف الليرة التركية وتعدي نسبة التضخم 10%، وهو ما تسعى الحكومة التركية إلى تعويضه، إذ رفعت وزارة الشؤون الاجتماعية رواتب المتقاعدين هذا العام بنسبة 7.5% وتخطط لرفعه بنسبة 9% العام المقبل، بحسب تصريح سابق للوزيرة جوليدا صاري أر أوغلو.
وتشير مصادر الوزارة إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور مطلع عام 2018 من 1404 إلى 1603 ليرات هو ضمن خطة لزيادته دورياً وسيصل الحد الأدنى لرواتب الموظفين نهاية العام الجاري إلى 2929 ليرة تركية. ونهاية 2019 سيرتفع إلى 3198 ليرة (الدولار= 4.0375 ليرات).
أما بالنسبة لرواتب الموظفين المتقاعدين، سيبلغ الحد الأدنى لرواتبهم نهاية 2019 نحو 2093 ليرة تركية.
وتستفيد تركيا من السجناء في قوة العمل، إذ تشير إحصاءات رسمية تركية إلى أن عدد ورش العمل التي يعمل بها السجناء في أنحاء تركيا وصل عام 2018 إلى نحو 1700 ورشة عمل، تضم ما يزيد عن 50 ألف سجين، يعملون ضمن إطار البرنامج الذي تُشرف عليه وزارة العدل التركية.
وتتوزّع منتجات ورش العمل بين المنسوجات، والخشب، والمخابز، وتربية النحل، والفواكه والخضراوات، وتُباع في المقام الأول للمؤسسات العامة، في حين يتم تسويق بعض منها للشركات الخاصة.
وتشير الإحصاءات إلى أن السجناء العاملين يخضعون لنظام الضمان الاجتماعي العام، ويتقاضون أجراً يومياً قدره 14 ليرة تركية، أي ما يُعادل ربع الحد الأدنى للأجور في تركيا.
وبيّنت الإحصاءات أن السجناء في تركيا يعملون ضمن 17.6 مليون متر مربع في القطاع الزراعي، حيث تُزرع الخضراوات والفواكه. وخلال عام 2017، تم إنتاج ما يقرب من 3 آلاف و600 طن من الأعلاف، وألفي طن من الحبوب، و1400 طن من الخضراوات، و85 ألف نبات زينة، كما جمع السجناء نحو 95 طناً من الزيتون، وزرعوا ما يزيد على 10 آلاف شجرة جوز و5 آلاف شجرة زيتون.