واشنطن- أوروبا بالعربي
استند الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في انسحابه من الاتفاق النووي إلى حيثيات لا علاقة لها بالاتفاق وبفاعليته وبمدى الالتزام بآليات تنفيذه، فقال إنّ قراره “يجعل أميركا أكثر أماناً”.
تقييم لا يشاركه فيه أحد من أصحاب الباع الطويل في هذا الحقل، مدنيين وعسكريين ومختصين مثل عالم الذرة الوزير السابق أرنست مونيز، الذي شارك في مفاوضات الاتفاق ومعه فريق كبير من العلماء وخبراء الأمن القومي الأميركي والعسكريين، الذين لم يفلحوا في ثنيه عن هذه الخطوة “المحشوة بالمخاطر القادمة”، كما وصفها الجنرال المتقاعد باري ماكفري.
المبررات التي سردها الرئيس واهية، باعتراف غالبية المرجعيات المعنية، إذ اعتمدت على استحضار وقائع وسلوكيات نووية وأمنية إقليمية ماضية، من شأنها أن ” تبرر التمسك بالاتفاق”، كما قال الوزير السابق جون كيري، وكثيرون غيره في الكونغرس وأوساط المتابعين للموضوع.
كما اعتمد سرده على العرض المسرحي الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أسبوع، والذي تبين أنه كان لأغراض تحريضية تبريرية، إذ لم يأت بجديد غير معروف في واشنطن.
ولذلك لم يأخذ به سوى الصقور الذين يعزفون ألحان نتنياهو الذي “يعتمد على أميركا لمحاربة إيران في سورية” كما يقول باتريك بيوكانن، أحد أبرز رموز المحافظين التقليديين والمرشح الرئاسي الجمهوري سابقاً والذي سأل الرئيس ترامب يوماَ (وهو من أشد مؤيديه عما إذا كان ينوي العمل لترجمة شعار “أميركا أولاً أم إسرائيل أولاً؟ “.
الدخول الإسرائيلي على خط التحريض بمثل هذه المجاهرة الفاقعة أثار الكثير من التبرّم والتأفف وأعاد التذكير بخطوة نتنياهو الاستفزازية عندما جاء إلى واشنطن وألقى خطاباً في الكونغرس عشية الاتفاق عام 2015 لتأليبه ضد عقد أي صفقة نووية مع إيران.
صحيح أن قرار الانسحاب من الاتفاق لم يكن فيه شيء من المفاجأة. لكن بقدر ما كان متوقعاً بقدر ما جاء “صادماً” لناحية عواقبه وتداعياته. فقد أثار الكثير من المخاوف الجدّية لناحية ما يؤشر إليه توقيته وظروفه، وعلى رأسها التغييرات التي شهدها فريق الأمن القومي، أخيراً.
ولم تخل قراءة لهذا التطور من دون ربطه بمجيء جون بولتون إلى البيت الأبيض ومايك بومبيو إلى وزارة الخارجية وبما أدى إلى استكمال المثلث “الحربي” الذي قد لا يتردد في سلوك كهذا لو دعت ظروف البيت الأبيض المتأزمة إلى “تصدير” الأزمة إلى الخارج.
كلام ليس بجديد، حيث يسود الاعتقاد وعلى نطاق واسع بأن القرار ليس سوى خطوة أولى في مسار تصعيدي يستهدف ليس فقط إسقاط الاتفاق النووي بل أيضاً “إسقاط النظام الإيراني”، كما لمح قبل أيام عمدة نيويورك السابق رودي جولياني المقرب من الرئيس، وقبله بولتون، الذي سبق أن دعا إلى “تغيير النظام ” في طهران. وهذا ليس أقل من وصفة “لحرب جديدة” في الشرق الأوسط.
تدرك الإدارة الأميركية أن تسويغ انسحابها يواجه صعوبة في تسويقه. لذلك لم يكن من غير مغزى أن يقحم الرئيس الموضوع الكوري الشمالي في بيانه الذي كشف خلاله عن قرب هبوط طائرة وزير الخارجية مايك بومبيو في مطار بيونغ يانغ لوضع اللمسات الأخيرة على القمة القريبة بين ترامب والرئيس الكوري الشمالي.
فالترتيبات اكتملت والحدث قريب. وكأن الرئيس ترامب يقول إن التعويض عن الإطاحة بالاتفاق الإيراني قادم وبما هو أكثر أهمية من خلال تفاهم نووي مع كوريا الشمالية.
كل المؤشرات ترجح حصول اختراق ما على هذه الجبهة، بحيث يكون الخروج من أزمة تغطية لإشعال أزمة أخرى.
في واشنطن تفوح، أخيراً، رائحة حرب ما في الشرق الأوسط. اليوم ازدادت احتمالاتها.