عواصم- أوروبا بالعربي
أثار افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في الوقت الذي قتلت فيه القوات الإسرائيلية عشرات من المحتجين الفلسطينيين في غزة يوم الاثنين موجة من الغضب في الشرق الأوسط غير أن حلفاء واشنطن المقربين في منطقة الخليج لزموا الصمت.
وفي السنوات الأخيرة طغى التنافس الإقليمي المرير بين إيران الشيعية وحلفائها من جانب وبين كتلة سنية تقودها السعودية على الصراع العربي الإسرائيلي.
ورغم أن السعودية ودول الخليج المتحالفة معها انتقدت من قبل قرار نقل السفارة فقد رحبت بموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتشدد من إيران التي ارتدت ثوب حامي الحقوق الفلسطينية.
إلا أن مشاعر متباينة بين الغضب والاستياء والاستسلام المشوب بالمرارة سادت بين كثيرين من المواطنين العاديين في المنطقة بفعل أنباء سقوط 58 فلسطينيا على الأقل قتلى بنيران القوات الإسرائيلية فيما يمثل أكبر عدد من الضحايا في يوم واحد منذ بدأت احتجاجات المطالبة بالعودة في 30 مارس آذار.
وقالت امرأة تدعى زينب في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان “نعارض نقل السفارة لأن هذا بلدنا. لم يتركوا لنا شيئا”.
وقال سامي بدر الدين (40 عاما) الموظف بشركة قطاع عام في القاهرة “كمصري وعربي أشعر بالذل. ينقلون السفارة الأمريكية للقدس والعرب كلهم صامتون”. وأبرمت مصر اتفاق سلام مع إسرائيل في 1978.
وقال سالم حملاوي الطالب بجامعة الجزائر “ترامب يكره المسلمين ويظهر ذلك كل يوم”.
وتقول الأمم المتحدة إنه لا يمكن تسوية وضع القدس التي استولت عليها إسرائيل في حرب 1967 إلا من خلال التفاوض. ويريد الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.
ومما زاد الطين بلة توقيت نقل السفارة للقدس من تل أبيب في الذكرى السبعين لقيام إسرائيل إذ يعتبره الفلسطينيون يوم النكبة الذي فقدوا فيه وطنهم.
وفي الأسابيع الأخيرة قتلت القوات الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين في غزة في احتجاجات عند الحدود على مصير اللاجئين الذين تركوا بيوتهم في 1984.
وقالت وزارة الخارجية التركية إن نقل السفارة شجع على “المذبحة التي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيلية”.
وقال حلفاء للولايات المتحدة إن نقل السفارة سيضر بمكانتها الإقليمية بعد انحيازها لإسرائيل في مسألة جوهرية دون التوصل لاتفاق سلام نهائي.
ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي توترت علاقاته بالولايات المتحدة الشريكة في حلف شمال الأطلسي نقل السفارة بأنه “إشعال حريق”.
وقال في لندن “الولايات المتحدة اختارت أن تكون جزءا من المشكلة بدلا من الحل بخطوتها الأخيرة وفقدت دور الوساطة في عملية السلام”.
ووصف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في بيان منفصل صدر في بيروت القرار بأنه خطوة استفزازية من شأنها أن “تضع كل المسارات السلمية في المنطقة امام جدار مسدود”.
وفي الأردن، الذي أبرم معاهدة سلام مع إسرائيل بوساطة أمريكية عام 1993، ردد محتجون قرب السفارة الأمريكية الحصينة في عمان هتافات وصفت أمريكا برأس الأفعى وأعلنوا رفضهم لوجود سفارة أمريكية على التراب الأردني.
وتحاشت مصر، أكثر الدول العربية سكانا والتي لعبت لفترة طويلة دور الوسيط في عملية السلام، توجيه انتقادات مباشرة للحليف الأمريكي.
غير أن صحيفة الأهرام المملوكة للدولة قالت في مقال افتتاحي إن الخطوة الأمريكية “استفزازية” ووصفتها بأنها فصل خطير في سلسلة توشك أن تقضي على أي أمل في تحقيق السلام.
أما في إيران فقد وصف علي لاريجاني رئيس البرلمان سياسة ترامب الدولية بأنها “شبه نيئة”.
وأضاف “على قادة أمريكا والنظام الصهيوني أن يفهموا رسالة الاحتجاجات أن انتهاك فلسطين ونقل العاصمة لن يمرا دون رد”.
وفي العراق قال رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الوطني المناهض للولايات المتحدة منذ فترة طويلة والذي يتصدر نتائج الانتخابات العراقية على تويتر إنه يتمنى ردا إلهيا على الأحداث.
ووصف حزب الله الشيعي اللبناني، المدعوم من إيران وتعتبره الولايات المتحدة جماعة إرهابية وترى فيه إسرائيل أكبر خطر على حدودها، نقل السفارة بأنه خطوة من جانب واحد “لا قيمة لها”.
وكان استياء البعض مشوبا بالغضب من الحكومات الغربية وخاصة في دول الخليج لإخفاقها في منع نقل السفارة أو حتى الاحتجاج عليه بشكل قوي.
وقال لاجئ فلسطيني يدعى خليل في مخيم برج البراجنة عاش حياته كلها في لبنان “دول الخليج سبب شقائنا”.
وقالت محامية تدعى هبة في القاهرة عمرها 32 عاما وهي تحمل ابنتها الصغيرة “كأن الحكام العرب يبيعون قطعة من أرضهم”.
وقال الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية السابق الذي لم يعد يشغل مناصب رسمية في التلفزيون إن الولايات المتحدة أيدت سيادة القانون والعدالة واحترام الاتفاقات الدولية لكنها أطاحت بكل ذلك من أجل “حسابات سياسية داخلية”.
وقال إن خطوة نقل السفارة ستفيد إيران خصم البلدين بالسماح لها باستغلال هذا الأمر.
وفي مدينة عدن بجنوب اليمن قال الموظف الحكومي رشاد محمد (55 عاما) إن نقل السفارة “خدم الجماعات المتطرفة وإيران”.
واتهم البعض السعودية بالتفريط في الحقوق الفلسطينية من أجل تحالفها مع ترامب وموقفه المتشدد من إيران.
وانتقد بيان أصدرته وزارة الخارجية السعودية العنف الذي قابلت به إسرائيل المحتجين الفلسطينيين وأكد دعم المملكة للحقوق الفلسطينية لكنه لم يذكر شيئا عن نقل السفارة.
كما تجاهلت الصحف ووسائل الإعلام الرسمية في السعودية نقل السفارة وركزت على مسائل داخلية مثل الاستعدادات للسماح للنساء بقيادة السيارات من الشهر المقبل.
وقال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تغريدة على تويتر “القهر أن تتابع احتفالية أمريكا وإسرائيل بنقل السفارة لقدسنا المحتل وحديثهم الفج المهين لواقعنا وتاريخنا ثم ننتقل للنظر في عالمنا الممزق حيث يخون بعضنا البعض ونتهم غيرنا أنه فرط بفلسطين والحق أن جميعنا فرطنا”.