حصري.. خلية التخطيط الخماسية لاغتيال خاشقجي
حصل “أوروبا بالعربي” على معلومات خاصة جدا تكشف عن أعضاء خلية التخطيط العليا لجريمة اختطاف واغتيال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي والتي تمت في اسطنبول في الثاني من اكتوبر/تشرين أول الجاري.
وتضم الخلية المخططة ولي العهد السعودي محمد ابن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وشقيقه الأمير خالد سفير المملكة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ووزير الحرس الوطني الأمير خالد بن عبد العزيز بن عياف، والمستشارين في الديوان الملكي سعود القحطاني وتركي آل الشيخ.
وكان خاشقجي مقربا من الديوان الملكي لعقود وشغل مناصب إعلامية بارزة واستشارية حساسة في المملكة، قبل أن يتولى محمد بن سلمان ولاية العهد، ويبدأ حملة اعتقالات شرسة ضد أصحاب الرأي والداعين للإصلاح والحريات والديمقراطية.
واستطاع خاشقجي مغادرة المملكة إلى منفاه الاختياري الولايات المتحدة الأمريكية العام الماضي، وأطلق تصريحات مثيرة متعهدا بإعلاء صوت المعتقلين لدى ابن سلمان.
وبقي خاشقجي يدعو الدول لوقف جنون ابن سلمان واعتقالاته التعسفية، لرجال الأعمال والأثرياء والدعاة والعلماء والحقوقيين، والنساء.
واتخذ الصحفي المخضرم من مقالاته في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية منبرا لإيصال صوت الشعب السعودي التواق للحرية والذي يطالب بالإصلاحات الديمقراطية.
ومع خطط ولي العهد في الاستمرار بنهج قمع الحريات ومنع أي انتقاد لخطواته التي تثير جدلا كبيرا وتضمن ارتكاب جرائم خطيرة وانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، قرر أن يسكت صوت خاشقجي الذي يزعجه، ويفضح جرائمه.
التخطيط للجريمة
كان من السهل على ابن سلمان التعامل مع أي صوت معارض أو منتقد ولو بالسر متواجد في المملكة العربية السعودية، لكن خاشقجي تحصن في الولايات المتحدة الأمريكية التي يستحيل تنفيذ عملية اختطاف أو اغتيال فيها داخل القنصلية السعودية.
وطلب ابن سلمان من أشد مقربيه تشكيل خلية للتفكير في كيفية اسكات صوت خاشقجي، بأي صورة كانت، مع ميله للطرق العنجهية والاستعراضية.
وبدأت الخلية بطرح الخطط والأفكار للنيل من صوت خاشقجي الحر، عبر اغرائه بالعودة للمملكة والتصالح مع ولي العهد على أن يكون من المقربين من الديوان الملكي ويحظى بمنصب كبير.
وتوالت الخطط التي تنوعت بين الإغراء بالجزرة أو الضرب بالعصا، لتحقيق نتيجة واحدة وهي ضمان اسكات خاشقجي.
وسعى سعود القحطاني لاغراء خاشقجي للعودة للملكة، وتحدث له عن رضى ابن سلمان عليه رغم تصريحاته ضده، وأنه ينوي التصالح معه والوصول لنقطة اتفاق.
لكن حيلة القحطاني لم تنطلي على خاشقجي الذي عمل لسنوات طويلة على مقربة من الديوان الملكي ويعرف أساليبه في العمل مع المنتقدين.
ولكن خاشقجي فتح ثغرة سمحت للأمير خالد استغلالها لطرح فكرة جهنمية لاستدراج الضحية إلى مثواه الأخير.
واعتاد خاشقجي على الولايات المتحدة الأمريكية حيث جاءها طالب لدراسة الإعلام في جامعة إنديانا التي تخرج منها عام 1983، ثم عمل فيها مستشار إعلاميا للسفير الأمير تركي الفيصل حتى عام 2007.
واختار خاشقجي أمريكا لتكون منفاه الاختياري حين غادر المملكة عام 2017 بعد تعرض لمضايقات شديدة من ولي العهد ابن سلمان.
وفي واشنطن، زار خاشقجي السفارة معتقدا أن عمله الطويل فيها قد يحميه من أي حماقة، والتقى السفير خالد بن سلمان الذي سعى لترغيبه في العودة للمملكة والتصالح مع شقيقه ولي العهد.
لكن خاشقجي الذي طالما شرح سياسة بلاده في أهم عواصم صنع القرار في العالم فطن للحيلة، ورفض العودة، لأنه يعلم طبيعة شخصية ولي العهد الديكتاتورية.
وطلب خاشقجي من السفير استصدار بعض الأوراق التي يحتاجها لاستكمال اجراءات زواجه من خطيبته التركية خديجة جنكيز.
وهنا اقترح السفير خالد على خلية التخطيط وشقيقه ولي العهد استدراج الضحية لقنصلية الرياض في اسطنبول التركية بحجة أن الأوراق مطلوبة للسلطات التركية لإتمام إجراءات الزواج.
وعرض السفير خالد على الخلية وضع خطه لاختطاف خاشقجي من القنصلية، أو حتى قتله والتخلص منه.
وهنا توافقت فكرة السفير خالد مع هوى شقيقه ولي العهد وبقيت مقربيه الذين يفضلون أسلوب الاستعراض العنجهي في التعامل مع خصومه أو منتقديهم.
ولم يشفع لخاشقجي تناوله الموضوعي لسياسات ابن سلمان ودعمه لبعضها خاصة الاصلاحات الداخلية من تفكير ولي العهد في قتله بطريقه مأساوية بشعة.
وأكملت خلية التخطيط وضع خطتها لاستدراج خاشقجي لموعد محدد في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية، وأعدت فريقا من عناصر المخابرات مضموني الولاء لهم لتنفيذ المهمة.
لكن خلية التخطيط من ابناء الملك ومستشاريهم ووزير الحرس الوطني غفلة عن ثغرات بسيطة كانت كافية لدولة متمرسة في التحقيقات الأمنية كتركيا لإكتشاف كامل خيوط اللعبة، والتحصل على أدلة دامغة تشرح تفاصيل تنفيذ الجريمة وخلية التخطيط لها.
ولم تدم فرحة المخططين طويلا حتى باتت فضيحتهم مثار الحديث في أروقة الدبلوماسية الدولية، وتعرضت المملكة لضغوط دولية لاجبارها على الكشف عن مصير الصحفي خاشقجي، وتحمل مسؤوليتها تجاه الجريمة.
وبدأت العملية تتحول لفضيحة دولية تكشف المزيد من السجل الأسود لحقوق الإنسان في المملكة، وخاصة في عهد ولي العهد الشاب، الذي يوصف في كثير من الأحيان بأنه “الدب الداشر” نسبة إلى رعونته وعشوائيته وطريقته الدموية في إدارة الأمور.
وبعد أن كشف الأمن التركي أسماء وصور ومعلومات فريق التنفيذ المكون من 15 عميلا للمخابرات السعودية، بدأت تتكشف أدوار خلية التخطيط العليا، الأمر الذي أفزع الديوان الملكي.
واضطر ابن سلمان لاستدعاء شقيقه الأمير خالد من الولايات المتحدة الأمريكية خشية تعرضه للمساءلة القانونية الدولية نتيجة لدوره في الجريمة، فيما بدأ التفكير سريعا لكبش فداء ترميه السعودية للعالم وتحمله مسؤولية الجريمة.
ورغم أن تشابك المصالح الدولية والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية قد يقلل من الثمن الذي سيدفعه ولي العهد والمملكة بشكل عام، إلا أن الجريمة ستبقى تؤرق المملكة لسنوات قادمة.