Site icon أوروبا بالعربي

من يخلف ميركل في الحزب المسيحي الديمقراطي ؟

بعد غياب 50 عاما، يشهد الحزب “المسيحي الديمقراطي” أوّل منافسة مفتوحة لانتخاب زعيم جديد، خلفاً لزعيمته الحالية، أنجيلا ميركل، التي قادت الحزب على مدى 18 عاماً، وأعلنت أخيراً قرارها بعدم الترشّح مجدداً لهذا المنصب.

ويتنافس في هذه الانتخابات ثلاثة مرشحين رئيسيين سيتم انتخاب أحدهم من قبل المندوبين الـ1001، خلال المؤتمر الحزبي الذي سينعقد اليوم الجمعة، في مدينة هامبورغ، بعد أن أنهى الحزب المؤتمرات الإقليمية الثمانية يوم الجمعة الماضي في برلين.

وقال مراقبون إن حظوظ المتنافسين لا زالت متقاربة، وهم الأمينة العامة أنغريت كرامب كارينباور (56 عاماً)، ورئيس كتلة الحزب الأسبق في “البوندستاغ”، فريدريش ميرز (63 عاماً)، ووزير الصحة ينس شبان (38 عاماً).

وتعد كارينباور بأسلوب جديد في القيادة، محاولةً الابتعاد قدر الإمكان بتوجهاتها عن سياسة ميركل، عبر طرح مواضيع جديدة للمستقبل، رغم أنها في الملفات الرئيسية تتطابق في الرؤى والأفكار مع المستشارة، خصوصاً في ما يتعلّق بمستقبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي وملف اللجوء والهجرة، التي تدعو إلى تنظيمها بشكل أفضل لكون ألمانيا بلد هجرة.

وتعد كارينباور من أشد المدافعين عن سياسات منصفة للنظام الضريبي والمعاشات التقاعدية والتعليم والصحة، في ظلّ وجود فائض في الخزينة. وما يلفت أيضاً أنها تحاول عدم اقتباس الكثير عن المستشارة، وتدفع للتركيز على أهمية التضامن العائلي من أجل حياة أسرية عاملة متلاحمة.

فريدريش ميرز
ويصف فريدريش ميرز، المنافس الشرس والمشاكس والمجاهر نفسه بأنّه “المسيحي الديمقراطي” الذي يتمتّع “بوطنية سليمة متواضعة”، فيكرّر انتقاداته لقادة الحزب، داعياً إلى العمل على القضايا التي تهم الشعب. ويؤكد على أنه ينبغي إدراج موضوع السكن على سلّم الأولويات، وحماية الوظائف والمعاشات التقاعدية والاهتمام بالرعاية الاجتماعية.

ويعد ميرز من الرافضين للتنوّع الثقافي ويدافع عن الثقافة الألمانية الرائدة، وهو الذي حثّ خلال المؤتمرات الإقليمية على ضرورة ترسيم حدود أقوى في التعاطي مع الحزب “الاشتراكي الديمقراطي”. ويفخر ميرز بكونه من منطقة ريفية في ولاية شمال الراين-وستفاليا، حيث يتواجد تقريباً ثلث المندوبين المشاركين في المؤتمر لاتخاذ قرار قد ينقل الحزب إلى حقبة جديدة لن تكون سهلة بعد عهد ميركل.

ويبدى ميرز تفاؤله في التعامل مع ميركل إذا نجح في انتخابات الحزب، رغم اختلافه في مقاربة الأمور مع المستشارة، واعتباره معارضاً لسياستها العامة. وعاد ميرز حديثا إلى ميدان السياسة بعد غياب عشر سنوات تقريباً، انتقل فيها للعمل في مجالات المال والأعمال.

ويكرر ميرز دائماً أنّ البلاد بالنسبة إليه تأتي أولاً ليأتي من بعدها الحزب، وهذا ما يدفعه لأن يحارب ضدّ الشكوك التي تساور البعض من أنّ انتخابه زعيماً للحزب سيولّد صراعاً على السلطة مع ميركل، التي سبق أن أعلن أنّه يكنّ لها كل الاحترام والتقدير للعمل الذي أنجزته.

وكان لافتاً إعلان المخضرم رئيس “البوندستاغ”، فولفغانغ شويبله، تأييده لوصول ميرز إلى سدة رئاسة الحزب، قائلا في مقابلة صحيفة إنه “من الأفضل للبلاد أن يحصل ميرز خلال المؤتمر الحزبي على أغلبية أصوات المندوبين، ليتولى رئاسة حزبه”.

وكان ميرز اعتبر في حديث لصحيفة “دير شبيغل” في وقت سابق، أنّ أفراداً من حزبه يقللون من شأن الخطر السياسي المنبثق عن حزب “البديل” اليميني الشعبوي، مشدداً على أنه من غير المقبول أن يتمثّل الأخير في جميع برلمانات الولايات، وبنسبة 12.6 في المائة في “البوندستاغ”، قائلاً: “أنا أجرؤ على تغيير ذلك”.

ويقول خبراء في الشأن السياسي الألماني إنّ على الزعيم المقبل للحزب “المسيحي الديمقراطي” ألا يركّز على مواجهة “البديل”، لأنّ ذلك سيكون خطأً مميتاً، بل عليه البحث عن الطريقة التي يمكن الحدّ فيها من قوّتهم الفعلية في البرلمانات. ولعلّ العامل الحاسم في ذلك، هو أن ينجح الزعيم المقبل في توجيه نقاش جدّي حول المشاكل المستجدة، وإيجاد الحلول للمشكلات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، في ظلّ تقلّص الطبقة المتوسطة التي تمثّل أغلبية الشعب الألماني، وتناقص القدرة الشرائية للأفراد وارتفاع المصاريف الثابتة. فعند ذلك يفقد “البديل”، بحسب الخبراء، صورته أمام الناخبين بعد تقديم آخرين البدائل المطلوبة، مع تشديدهم على ضرورة أن يتغيّر التعاون بين الأحزاب والحكومة مستقبلاً، أي أنه يجب مناقشة القرارات السياسية أولاً في الحزب، ولا تمليها الحكومة.

ينس شبان
أما وزير الصحة، ينس شبان، فقد باتت فرصة نجاحه في قيادة الحزب صعبة، رغم أنّه قدّم للمشاركين في المؤتمرات رؤيته السياسية لفكرته “ألمانيا 2040”. ويعرف شبان بتأييده لفرض ضوابط وتدابير أشدّ صرامة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي للحدّ من تدفق المهاجرين، إذ حصر تركيزه في قضية اللاجئين منذ إعلان ترشيحه.

وتعرض شبان لانتقد وزير الاقتصاد، بيتر ألتماير، في حديث مع صحيفة “بيلد” أخيراً، محذراً من نية التغيير الجذري لمسار الحزب بعد الانتخابات. وقال ألتماير “إنّ الغالبية من الألمان لا يريدون تغييراً جذرياً في المسار، ومن يريد تقليص الملفات وحصرها بموضوع واحد سيجد صعوبة في ذلك”. ورأى أنه في سياسة الهجرة “تسارعت الإجراءات وانخفض مستوى تدفّق اللاجئين إلى ألمانيا بشكل كبير”، متّهماً البعض بإعادة توطين اللاجئين وطالبي اللجوء المرفوضين وخصوصاً الجناة منهم.

ومع ذلك، يرى مراقبون أن ميرز أكثر المرشحين الذي يتمتع بكاريزيما وحضور وقدرة على التعامل مع النكسات، في حين أنه من الواضح أنّ كارينباور، المفعمة بالحيوية، تتعمّد وضع نفسها في الوسط، وهمها وحدة الحزب، وهي التي تعرف جميع القضايا التي تسبب الإحباط داخله، وتبدي حرصها على أهمية إيجاد إجابات وحلول لها، وفق ما عبّرت في العديد من اللقاءات. ولعلّ ما يميّز الأمينة العام للمسيحي الديمقراطي هو ابتعادها عن أي “منافسة مدمرة”، مع محاولة برهنة أنّها الأقدر وصاحبة الخبرة بين المرشحين، لكونها شغلت منصب رئيسة وزراء ولاية زارلاند وفازت بحملات انتخابية وأقامت تحالفات خدمت حزبها “المسيحي” في الولاية، قبل أن تنتقل أخيراً إلى برلين كأمينة عامة للحزب.

Exit mobile version