قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب إن ” قوات الأمن العراقية مستمرة في ممارسة انتهاكات قاسية بحق المعتقلين داخل السجون “، وكشفا عن حصولهما على شهادات لسجناء في ” سجن التاجي ” شمالي العاصمة بغداد تكشف الظروف القاسية التي يعانون منها في ظل حرمانهم من أبسط حقوقهم الأساسية.
ووفقًا للمركزين الحقوقيين، فإنّ قوات الأمن العراقية تنتهج سياسة الإذلال والاضطهاد ضد المعتقلين، إذ تحرمهم من مقومات السلامة الصحية والنفسية والغذاء والتهوية، ما يتسبب في وفاة بعضهم داخل المعتقل، إضافة للابتزاز المالي المستمر للمعتقلين.
وقال المركزان الحقوقيان في بيان مشترك لهما إن على الحكومة العراقية أن توفّر صفات السجون الإصلاحية للمعتقلين بما يتناسب مع المواثيق الدولية والدستور العراقي، إذ يتحتّم إتاحة ظروف نفسيّة وصحيّة مناسبة لهم، ووقف أساليب انتهاك إنسانيتهم أو إذلالهم مقابل حقهم في الغذاء كما يجري في ” سجن التاجي “.
ونقل معتقلون في “سجن التاجي” عبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب مناشدة للنشطاء ووسائل الإعلام لتسليط الضوء على قضيتهم، والضغط على أصحاب القرار في الحكومة العراقية، وحدّدوا تاريخ اليوم 17 تموز لإطلاق حملة تضامنية لمساندتهم تستمر حتى 20 من نفس الشهر.
ويفتقر “سجن التاجي” -بحسب الشهادات- لأدنى صفات السجون الإصلاحية، حيث يقبع السجناء داخل معسكر كبير ويتم معاملتهم دون اعتبار معايير معاملة السجناء.
ويقول (ق.س) إن أفراد الأمن داخل السجن تستخدم عبارات السب والشتم والعبارات الطائفية والضرب دون مبرر وتعبث بالمتعلقات الشخصية، إضافة لإلقاء الأطعمة الفاسدة على المصاحف في محاولة لاستفزاز السجناء. ويؤكد الشاهد لجوء الأمن لإهانة المقدسات وسب الرموز الدينية السنيّة، وترديد شعارات طائفية بطريقة استفزازية للسجناء.
وفي شهادة أخرى، يؤكد (م.ر) أنّ قوات الأمن الوطني والتدّخل السريع وقوات الطوارئ زادت من انتهاكها لحقوق السجناء في الفترة الأخيرة، إذ حرمتهم من ممارسة شعائرهم الدينية كرفع الآذان وإقامة الصلاة، في الوقت الذي يمنح فيه الدستور العراقي في مادته الثانية حق الممارسة الدينية للجميع.
ويفيد (ج.ص) بانعدام الخدمات الأساسية والمستلزمات الإنسانية في السجن، كالتهوية في ظل اكتظاظ أعداد كبيرة من المعتقلين في مساحات صغيرة، إذ تُسجّل باستمرار حالات اختناق داخل السجن تنتج عنها حالات بمعدل 3-5 في شهور الصيف الحارّة، عدا عن انتشار الأمراض والأورام الخبيثة بين السجناء نتيجة لغياب الرعاية الطبية، وانتشار القوارض وتكدّس النفايات داخل السجن، فيما يتم نقل الطعام للسجناء في حاويات النفايات، إذ لا يوجد في السجن عربات خاصة لنقل الطعام.
ويعاني السجناء مشكلات في الحصول على الغذاء داخل السجن بالكمية والجودة المطلوبة، إذ تمتلئ مخازن السجن بأطعمة منتهية الصلاحية يتم توزيعها على السجناء، إضافة لمنع الملح عنهم، ما يؤدي إلى معاناة الكثير منهم من هبوط في ضغط الدم، ويزيد مشكلاتهم الصحية منعهم من التعرّض لأشعّة الشمس.
ورغم مطالبة السجناء بحقوقهم الإنسانية المشروعة بطعام نظيف وتوفير المياه داخل السجن، إلا أنَّ إدارة السجن تتجاهل باستمرار مطالبهم، ما يزيد من سوء أوضاعهم وينذر بتفاقم معاناتهم.
وتمارس إدارة “سجن التاجي” استغلالاً وابتزازًا ماليًا للسجناء، ولا يقتصر الأمر على عناصر الأمن بل حتى على موظفي الأشغال الذين يطلبون مبالغ ماليّة من السجناء مقابل إخراج النفايات من المعتقل.
ويقول (ث.س) إن مقصف السجن يبيع المستلزمات للسجناء بأسعار مضاعفة، وأفاد بفقدان ما يزيد عن 140 مليون دينار عراقي من أموال السجناء التي يودعها ذووهم خلال زياراتهم في ظروف غامضة حسب ادعاءات دائرة السجن.
ووفقًا لمعلومات المركزين الحقوقيين، تلصق قوّات الأمن تهمًا ملفّقة بحق السجناء عقب إخضاعهم للتحقيق والحبس الانفرادي، ثم تُبعدهم إلى سجون في محافظات أخرى.
ويقول (خ.م) إن للأمن الوطني سماسرة ومأجورين معروفين بـ “المصادر”، تكمن مهمتهم بإيهام المعتقلين بتمديد فترة الزيارة العائلية مقابل الوشاية بأي سجين، ليتم بعد ذلك استدراجه وتعذيبه ومساومته على دفع المال للتوقف عن اضطهاده، كما أكّد أنّ إدارة السجن تنقل بعض السجناء إلى سجون جنوبي البلاد عبر طرق خطرة تسيطر عليها ميليشيات طائفية، ما يعرّض حياة السجناء وذويهم الذين يزورونهم إلى خطر التعرّض للاختطاف والمساومة على المال.
وتمارس إدارة السجن تعذيبًا نفسيًا على السجناء ببث شائعات عن انتهاء معاناتهم واقتراب الإفراج عنهم لامتصاص غضبهم، وتدخل لجانًا مزيّفة للاستماع لمطالبهم، وتعطيهم وعودًا بتحسين أوضاعهم، في الوقت الذي تشي فيه تلك اللجان لإدارة السجن عن المعتقلين المعترضين على الأوضاع العامّة، لإيقاع عقوبات عليهم.
ويشير السجين (م.ك) إلى أن السجناء لم يروا أيّة نشاط لمنظمات حقوق الإنسان بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، سوى إرسال ملابس داخلية ومساحيق تنظيف كل ستة أشهر، ولم يتم التعامل مع شكوى السجناء بشكل جدي بالمطلق.
وتستخدم إدارة السجن سياسات قاسية ضد السجناء بمنع أفراد العائلة من الرجال من زيارتهم واقتصار الزيارة على النساء خشية خروج شكاوى من داخل السجن.
وتشير التقديرات إلى أن عدد المعتقلين على خلفية تهمٍ تتعلق بالإرهاب في السجون المعلنة للحكومة العراقية بلغ نحو 17 ألف معتقل، بمن في ذلك 1875 امرأة.
ورأى المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب أن المعاملة غير القانونية التي يتعرّض لها السجناء داخل “سجن التاجي” تعد انتهاكًا لحقوق السجناء والمعتقلين التي يكفلها لهم القانون الدولي والإنساني، والتي تنص على ضرورة توفير السلطات المحلية للقواعد النموذجية الدنيا للسجناء، وتوفير الاحتياجات الأساسية للسجين كمتطلبات الغذاء والنوم والسلامة الصحية والنفسية، ويعتبر استمرارها مؤشرًا واضحًا لتفاقم مأساة السجناء التي قد تؤدي إلى وفاة أعداد منهم.
وطالب الأورومتوسطي والمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب الجهات الدولية كافّة وعلى رأسها الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بضرورة لإنقاذ المئات من السجناء المحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية الواجب توفيرها لهم في ظل إهمال الحكومة العراقية للوضع السيء الذي يخيّم على السجون العراقية.
ودعا الأورومتوسطي والمركز العراقية لتوثيق جرائم الحرب السلطات العراقية بشكل خاصّ إلى احترام حقوق السجناء المكفولة في القانون العراقي والاتفاقيات الموقعة عليها بما يضمن سلامة وحياة السجناء، مع مراعاة الظروف التي تلائم احتياجاتهم.