تعارض الكثير من المؤسسات الحقوقية حول العالم ، استخدام الحكومات لوسائل وتقنيات حديثة بهدف قمع القمع وانتهاك خصوصيات المعارضين وغير ذلك، ومنها تقنية التعرف على الوجوه .
كثير من هذه المؤسسات نشطت في التوعية تجاه مخاطر التكنولوجيا، وخصوصا تقنية التعرف على الوجوه ، وقد عارضت هذه المؤسسات استخدام الحكومات لهذه التقنيات في القمع، والتفريق العنصري.
وفي هذا السياق، تحدثت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية في تقرير لها حول تقنية التعرف على الوجوه ، و الصحيفة “إلى أي حد (هذه التقنية) شريرة؟”
هذه التقنية واسعة الانتشار، و هي متضمنة في مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” وتستخدمها شركات تكنولوجية أخرى مثل “جوجل” و”مايكروسوفت” و”آبل” وغيرها.
وتكمن وظيفتها وفق الصحيفة، التعرف على الشخص من خلال ملامح وجهه، وهي مُستخدمة بالمطارات وتطبيقات مختلفة على الأجهزة الذكية، وأماكن العمل وشركات الإعلانات، وعدد لا يُحصى من المجالات الأخرى.
وتستخدم السلطات الصينية هذه التقنية للتنميط والتعرف على الوجوه، كما تفعل مع مسلمي الأويغور الذين يُقمعون بسبب عرقهم ودينهم المختلف عن الأغلبية، الهان. كما تستخدمها أيضا للتعرف على الطلاب عند بوابات المدارس ومراقبة تعبيراتهم في الدروس لحثهم على التركيز.
الصحيفة البريطانية نقلت عن تقارير حقوقية، أن اسرائيل تستخدم هذه التقنية للتتبع السري للفلسطينيين في أعماق الضفة الغربية.
روسيا من جهتها تبنت هذه التكنولوجيا، بحيث رُكبت الكاميرات في شوارع موسكو للبحث عن “أشخاص متهمين” بقضايا جنائية، وتعتزم تزويد الشرطة بنظارات تحتوي على هذه التقنية.
الصحيفة ذكرت أن هناك تزايد في ميل المتاجر إلى استخدام هذه التكنولوجيا لردع اللصوص وتسليمهم لشرطة.
و يحتوي الإنترنت اليوم على مليارات الصور الشخصية للوجوه، نتيجة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يستغلها القائمون على “تدريب” الشبكات العنكبوتية الاصطناعية، وهي الداعمة الأساسية للذكاء الاصطناعي الحديث، بهدف اكتشاف الوجوه والتعرف عليها.
وشددت الصحيفة على أنه خلال العقد الماضي، نُشرت أنظمة التعرف على الوجوه في “كل مكان”، وقد ساعدت البيانات التي تم جمعها منها الشركات على صقل تقنيتها.
وفي الحديث عن كيفية عمل هذه التقنية ، فيجب أولاً على الحاسوب معرفة ماهية وجه الإنسان، ويمكن القيام بذلك عن طريق تدريب خوارزمية (معادلة محوسبة)، و عادةً ما تكون شبكة عصبونية اصطناعية، على عدد كبير من الصور لوجوه أشخاص مختلفين في مواقع معروفة، وتُجرى هذه العملية بتكرار مستمر إلى أن يستطيع الحاسوب إدراك معنى الوجه، ومن ثم تُجرى عملية مقابلة لها، عبر توفير صور أخرى لكن مع تعليمات مختلفة حتى يستطيع الحاسوب تمييز الوجه عن الآخر، عبر قيام الخوارزميات بتخطيط مفصّل للوجوه لتمييز سماتها.
واذا تم تركيب التقنية في الأماكن العامة، فإن البرنامج الذي يعمل وفقا لهذه التقنية، يُجري مسحا شاملا لمقاطع فيديو طوال الوقت، ويعييّن الوجوه في إطار الصورة ومن ثم يحددها ويقارنها مع المعطيات التي أدرجها المسؤولون عن التقنية، لكنها ليست دائمة الدقة.
الاختبارات المستقلة التي أجراها المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا (نيست) وجدت أن أنظمة التعرف على الوجوه بين عامي 2014 و 2018 قد تحسنت 20 مرة في العثور على تطابق في قاعدة بيانات تضم 12 مليون صورة.
كما انخفض معدل فشلها من 4 بالمئة إلى 0.2 بالمئة خلال تلك الفترة، ما يعني أن دقتها ارتفعت بشكل هائل، لكنها مشروطة بمدى مثالية الظروف المحيطة، أي بحسب وضوح الصورة أو الإضاءة، والاتجاه الذي ينظر إليها الشخص، وعوامل أخرى تُقلل دقّتها. كما أن التقنية لا تزال سيئة جدا في تمييز التوائم.
و قالت “ذي غارديان” إن التقنية لاقت انتقادات كثيرة على مدار الأعوام الماضية، لاتهامها بالتحيز، وأشارت إلى أن المشكلة تكمن في كيفية تدريب هذا النوع من البرامج على التعرف على الوجوه، فإذا ما دُربت على التعرّف على مليون وجه لذكور بيض البشرة، مثلا، لكن دون تدريبها على التعرف على النساء أو الأشخاص من غير البيض، فإنها ستكون أقل دقّة في عملها، وذلك يعني ازدياد المعلومات الخاطئة واحتمالية توقيف المزيد من الأشخاص واستجوابهم دون أن يكونوا مطلوبين.
في العام الماضي، وجد اتحاد الحريات المدنية الأميركي “إيه سي إل يو” أن برنامج “ركوكغنيشن” التابع لـ”أمازون” وصم 28 شخصا من أعضاء الكونغرس بأنهم اعتقلوا سابقا، كما أنه أخطأ في تحديد هوية الأميركيين من أصل أفريقي واللاتينيين بشكل غير متناسب. لكن الشركة نفت هذا الادعاء.
تعمل شركات التقنية في جميع أنحاء العالم على تطوير التعرف على الوجوه، لكن تُعد الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وإسرائيل وأوروبا، عرابة هذه التكنولوجيا.