مقالات رأي

همسة ود .. دعوة المظلوم .. بقلم : د. موزة المالكي

كان هناك رجل لا يبالي بظلم الناس، وفي أحد الأيام كان الرجل جالسًا مع زوجته على المائدة، وفجأة سمع الاثنان صوت دق الباب، فانزعج الزوج وقال غاضباً: من هذا الذي يأتي في هذه الساعة؟ فقام الرجل: ووقف خلف الباب وسأل: مَن بالباب؟ فأجابه الصوت من خلف الباب: سائل جائع يريد بعض الطعام، فغضب الزوج، وقال: أجئت تزعج راحتنا لهذا الأمر!!! ففتح الباب، وخرج إلى الرجل السائل وضربه ضرباً مبرحاً، ثم طرده شر طردة، فمشى الرجل، وهو لا يزال على جوعه، والجروح تملأ روحه، وجسده، والأهم كرامته، ولم يزد على أن قال: «حسبيَ الله ونعم الوكيل».

ثم عاد الزوج إلى زوجته، وهو متضايق من ذاك الذي قطع عليه متعة الجلوس مع زوجته، ومرت الأيام، وخسر هذا الرجل ماله، وطلق زوجته، وكانت امرأة صالحة، وبعد عدة سنوات، تقدم شخص لخطبة تلك المرأة، فوافقت عليه، وتم الزواج، وفي أحد الأيام اجتمع الزوجان على مائدة العشاء، وسمع الاثنان ليلتها صوت الباب يقرع، فقال الزوج لزوجته: اذهبي فانظري مَن بالباب، فقامت الزوجة ونظرت من بالباب فوجدت زوجها الأول بحالة يُرثى لها، يسأل الناس الطعام، فرجعت إلى زوجها، وقالت له: مسكين يطلب المساعدة!

فقام الزوج، وفتح الباب، فقال السائل: أريد بعض الطعام، فرجع الزوج إلى زوجته حيث تجلس على المائدة، ورفع المائدة بيديه، وقال: سنعطي هذا الجائع مِن كل الأصناف التي نأكل منها، فذهب الزوج، وأعطاه الطعام، وأغلق الباب.

ثمّ رجع إلى زوجته فوجدها تبكي بكاءً مريراً، فسألها عن سبب بكائها، فقالت: هذا الرجل الذي أعطيته الطعام كان زوجاً لي من عدة أعوام، وفي ليلة طرق سائل جائع بابنا، فخرج زوجي، وضرب الرجل ضرباً موجعاً، ثم طرده، ثم ساءت أحواله، وطلقني، ولم أره بعدها إلا اليوم، فقال لها: أتعرفين من هو ذاك الرجل الذي ضربه زوجك؟ فقالت: مَن؟!، فقال لها: إنه أنا ذلك الرجل، أغناني الله من فضله.

قد تكون دعوة رفعت من ذلك الرجل في لحظة أحس فيها بالظلم والإهانة، فلم يجدر بذلك الزوج الظالم أن يضرب طارق الباب الجائع ويهينه بدون سبب، فإن لم يرد أن يطعمه، كان يكفي أن يرده بدون أن يجرح كرامته، فإن الله -سبحانه وتعالى- تعهد باستجابة دعاء المظلوم ولو كان كافراً، حيث ورد عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (اتّقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافراً، فإنّه ليس دونها حِجاب)، وبذلك فقد جعل الله -سبحانه وتعالى- الدّعاء سلاحاً للمظلوم؛ ليرفع به الظلم عن نفسه، فينصره الله تعالى، وينتقم له مِمّن ظلمه، وقد جُعِل لدعاء المظلوم شأن عظيم في السماء، وفي ذلك قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمامِ، وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّمواتِ، ويقولُ الرَّبُّ تبارَك وتعالى: وعِزَّتي لَأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حِينٍ)؛ والسّبب في ذلك أنّ المظلوم يكون منكسراً، ومحتاجاً، وملحّاً، ومتذللاً لله -تعالى- في دعائه، كما يكون ضعيفاً لا يملك نصرة نفسه، ولا الاستنصار بغيره من النّاس لدفع الظلم عن نفسه.

د. موزة المالكي

معالجة نفسية وكاتبة‏ لدى ‏جامعة قطر‏ ‏صاحبة ومديرة ‏مركز موزة المالكي للتأهيل والتدريب الدولي‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى