جنيف – بعد أن دخل القانون الفدرالي المُعدل للجوء في سويسرا حيز التنفيذ في مارس 2019 والانتقادات لم تتوقف.
في حين كان الهدف من التعديلات الجديدة تسريع معالجة طلبات اللجوء من أجل تسريع عملية الادماج وإلا الترحيل، وعلى هذا الأساس وافق عليه الناخبون في عام 2016 واجتاز صناديق الاقتراع بحصوله على نسبة 66٪ من الأصوات، إلا أن الأمور سرعان ما تكشّفت عن استعجال على حساب الجودة، وفق تأكيد الجمعيات الناشطة في مجال اللجوء والعديد من القانونيين والحقوقيين.
حيث أن هذه التأكيدات، تدعمها الأرقام الواردة من المحكمة الإدارية الفدرالية، الموكلة بالنظر في الطعون المقدمة ضد قرارات اللجوء.
فمنذ حينها بدء تطبيق إجراءات اللجوء الأخيرة، وتضاعفت أعداد القضايا المحالة إلى أمانة الدولة للهجرة لإعادة دراستها من 6,5٪ إلى 13٪، وهي في غالبها لحالات “اتخذت أمانة الدولة للهجرة بشأنها قرارا سلبيا دون دراسة أسباب اللجوء بشكل كاف” كما خلُص إليه القضاة وفق ما جاء في بيان صادر عن المحكمة الإدارية الفدرالية أو لوجود: “ثغرات في التثبت من الوضع الصحي” لطالب اللجوء.
على سبيل المثال، هناك طلب لجوء تقدّم به شخص يحمل الجنسية السورية في 6 سبتمبر 2019، وذكر بأنه تعرّض للاختطاف والاحتجاز والتعذيب من قبل جماعة مسلحة، وفي أول لقاء له مع أمانة الدولة للهجرة يوم 9 أكتوبر الموالي اعتُبِرت روايته غير قابلة للتصديق وتم رفض طلبه يوم 21 أكتوبر، وعندما استأنف لدى المحكمة الإدارية الفدرالية حكمت لصالحه، وأحالت طلب اللجوء مرة أخرى إلى أمانة الدولة للهجرة معتبرة أن التحقيق في أسباب اللجوء “غير كاف” وأن العناصر الرئيسية للقضية لم تتوضح.
وفي مثال آخر لمواطن غيني قدم طلب لجوء في 4 مارس 2019، زاعمًا أنه تم القبض عليه واحتجازه وتعذيبه من قبل شرطة بلاده، وجرت معه أربعة لقاءات أكد خلالها أنه يعاني من آلام حادة في الظهر واضطرابات نفسية، وفي 12 أبريل رفضت أمانة الدولة للهجرة طلبه وأمرت بترحيله إلى غينيا، ولما استأنف القرار لدى المحكمة الإدارية الفدرالية قضت بإحالة الملف لكي يُعاد النظر فيه من جديد، حيث اعتبر القضاة أن حيثيات القضية لم تستوف حقها بالدراسة، وأن أمانة الدولة للهجرة لم تأخذ في الاعتبار جميع الملابسات والأدلة القطعية اللازمة لاتخاذ القرار، بل ألزمت المحكمة الإدارية الفدرالية أمانة الدولة بأن يتضمّن التقرير الطبي لطالب اللجوء “السيرة المرضية مفصلة والتشخيص كاملا”.
وفي ذات السياق، قالت إيمانويل جاكي فون سوري، المتحدثة باسم أمانة الدولة للهجرة: “هذا دليل على أن القانون ناجع”، مذكرة بأن الهدف من تعديل قانون اللجوء أن تكون الإجراءات سريعة ومنصفة وأن يُهيّأ لكل طالب لجوء محامٍ يسنده في كل المراحل، منذ تقديم طلبه وحتى النهاية.
وأضافت قائلة: “وتُشير زيادة أعداد القرارات التي ألغتها المحكمة الإدارية الفدرالية إلى أن المحامين يقدّمون طلبات الاستئناف حينما يكون هناك سبب حقيقي يستدعي ذلك، ومنه تضمن المحكمة الإدارية أن تكون القرارات قد اتُّخذت بناء على دراسة مستوفاة، وفحص دقيق للحقائق، ومستندة إلى جميع العناصر الممكنة”.
“خطأ في التصنيف”
كما أعرب “تحالف المحامين والمحاميات المستقلين من أجل حق اللجوء” عن أسفه لارتفاع نسبة الطلبات التي يجري التعامل معها بموجب إجراءات معجلة، في حين أن المفروض أن تخضع القضايا المعقدة لإجراءات تتسم بقدر أكبر من الرحابة.
حيث كانت أمانة الدولة للهجرة قد ذكرت عند بدء العمل بالقانون المعدّل أنه سيتم التعامل مع حوالي 28٪ من الطلبات وفقا للسياق الرحب، بينما بلغت هذه النسبة 19% فقط في نهاية عام 2019.
وكان قرار صادر عن المحكمة الإدارية الفدرالية قد انتقد أمانة الدولة للهجرة بسبب “الخطأ في التصنيف”، حيث خضع طلب لجوء للإجراء المعجل على الرغم من إصرار محامي طالبه على التعقيد الذي تتسم به القضية وعلى عدم إمكانية الطعن في القرار خلال الفترة الزمنية المحددة، فكان أن أعادت المحكمة الإدارية ملف القضية إلى أمانة الدولة للهجرة مطالبة إياها بضرورة التعامل مع القضية في إطار إجراء رحب، وأكدت على أن تسريع إجراءات اللجوء كهدف، لا يمكن تحقيقه إلا بالتوافق مع سيادة القانون، وإذا: “أوْلت السلطة الأدنى، تصنيف الحالات، العناية اللازمة وفقا لمقتضيات القانون”.
وتشير إيمانويل جاكي فون سوري أن تصنيف الطلب ليتبع إجراء ما وليس الآخر يعتمد على جنسية صاحب الطلب ومدى تعقيد قضيته، وأكدت المتحدثة الرسمية باسم أمانة الدولة للهجرة أنه تم – بعد الانتقادات التي وجهتها المحكمة الإدارية الفدرالية – “إجراء التعديلات اللازمة وتحديد معايير التصنيف الخاص بالإجراءات الرحبة”.
كما أشارت الأرقام الواردة من أمانة الدولة للهجرة أنه في عام 2020، بلغت نسبة الطلبات التي عوملت بناء على الإجراءات الرحبة 26٪، مع ذلك أعربت المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين، عن اعتقادها بأن الوضع لا يزال غير مطمئن نظرًا لأن الكثير من الطلبات المعقدة لا تزال تُفحص على عجل.
ومن جهتها، نشرت المنظمة مؤخرا جملة من المعايير الجديرة بأن تراعى عند تصنيف الطلبات.