كورونا يدفع ماكرون لمقامرة سياسية خطيرة
باريس – قامر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر رفضه فرض إغلاق وطني شامل ثالث لاحتواء وباء كوفيد-19، وهو أمر جاء بخلاف التوقعات ونصائح أكبر مستشاريه العلميين.
حيث فضّل الرئيس البالغ 43 عاما تشديد القيود المفروضة أصلا على السفر والتسوّق خلال اجتماع لحكومته عُقد الجمعة بعد أسبوع بدا أن حكومته كانت تمهّد خلاله لإغلاق جديد.
ووضعت الخطوة فرنسا على مسار مختلف عن ذاك الذي سلكته جارتاها الكبيرتان بريطانيا وألمانيا في وقت تنتشر النسخة البريطانية المتحوّرة والأكثر عدوى من الفيروس بشكل متسارع في أنحاء أوروبا.
وصرح وزير الصحة أوليفييه فيران لصحيفة “جورنال دو ديمانش” الأحد “كل شي يوشر إلى احتمال وقوع موجة جديدة (من الإصابات) جرّاء النسخة المتحوّرة، لكن لعل بإمكاننا تجنّبها بفضل الإجراءات التي قررناها في وقت مبكر والتي يحترمها الفرنسيون”.
وأوضح أنه بخلاف الحال في دول أخرى، فإن عدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا بالكاد ارتفع الأسبوع الماضي، متحدّثا عن مؤشرات أخرى مطمئنة على غرار عدم الزيادة في آثار الفيروس التي تم كشفها في مياه الصرف الصحي.
كما فرضت الحكومة الفرنسية حظرا ليليا مشددا للتجول بعدما انتهى الإغلاق الثاني في كانون الأول/ديسمبر، بينما لا يزال عدد الوفيات البالغ حوالى 250 يوميا أقل من ربع الأعداد المسجّلة في كل من بريطانيا أو ألمانيا.
وذكرت مصادر لفرانس إن ماكرون يشعر بالقلق من تداعيات فرض إغلاق آخر بينما تحاول البلاد جاهدة التعامل مع التداعيات النفسية لنحو عام من القيود، إلى جانب الركود العميق.
وثمة عامل مشجع آخر هو الأدلة التي تفيد أن البلد قد يتمكن من احتواء العدد اليومي الجديد للإصابات إذا بقيت على مستواها الحالي عند نحو 24 ألفا بدون الحاجة للجوء إلى إغلاق المتاجر والمدارس ومنع السفر داخليا.
ونقلت “جورنال دو ديمانش” عن ماكرون قوله للوزراء خلال اجتماع الجمعة “حتى وإن كان المسار ضيّقا، فعليك أن تسلكه”.
وأردف “عندما تكون فرنسيا، تملك كل ما تحتاج اليه للنجاح شرط أن تتجرّأ وتجرّب”.
ويرجّح البعض أن تكون صور أعمال الشغب التي شهدتها هولندا الأسبوع الماضي أثّرت على موقفه.
ولكن عبر مخالفته حدس وزير الصحة فيران وغيره من أعضاء مجلسه العلمي الذي يتولى ملف كورونا، يأخذ ماكرون على عاتقة مسؤولية تحمّل قرار قد تكون نتائجه عكسية.
وعنونت “جورنال دو ديمانش” على صفحتها الأولى “لماذا قال ماكرون +لا+”، ما يعني أنه لن يكون هناك أي التباس مستقبلا بشأن الشخصية المسؤولة عن نتائج القرار إيجابية كانت أم سلبية.
كما نصّت القيود الجديدة التي تم إقرارها الجمعة على إغلاق مراكز التسوّق الكبيرة ومنع السفر غير الضروري إلى فرنسا من خارج الاتحاد الأوروبي اعتبارا من الأحد.
ويشير العديد من الخبراء، نقلا عن دراسات منذ ظهر الوباء، إلى أن فرض تدابير إغلاق مبكرة هي الطريقة الأكثر فعالية لأن مدّتها عادة تكون أقصر وتخفض من حجم الضرر الاقتصادي بالمجمل.
وقال مستشار للرئيس لفرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته “نقوم بكل ما يمكن لتجنّب إغلاق آخر، نظرا للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية” لتدابير الإغلاق.
لكن مصداقية الحكومة ووضوح رسائلها على المحك قبل 15 شهرا فقط من الانتخابات الرئاسية التي يتوقع أن يواجه ماكرون فيها زعيمة اليمين المتشدد التي يزداد حضورها مارين لوبن.
وفي وقت يسعى للفوز بولاية ثانية، ستتركّز الأنظار على سجّل الرئيس الفرنسي في طريقة إدارته لأزمة الفيروس بما في ذلك تدابير الإغلاق وحزم الدعم الاقتصادي وحملة التطعيم.
وأظهر استطلاع نشرته “جورنال دو ديمانش” الأحد أن 36 في المئة فقط أعربوا عن ثقتهم بطريقة تعامل الحكومة مع الأزمة مقابل 64 في المئة.
حيث اتّهمت لوبن الحكومة بالتصرّف “ككلب ميت يطوف بينما يحركه مجرى المياه”، مستعيرة عبارة استخدمت للمرة الاولى خلال سنوات الحروب والاضطرابات التي شهدتها فرنسا في عهد الجمهورية الثالثة.
وتحدثت الأسبوع الماضي “لدينا شعور بأننا نُقذف (من مكان لآخر) بدون أن نترقب إطلاقا وبدون أن ننظر إلى الأمام وبدون اتخاذ أي قرارات تسمح لنا بتجنّب، عندما يكون الأمر ممكنا، إغلاق أول وثان وثالث”.
لكن عندما يتعلّق الأمر برفض تدابير الإغلاق، يبدو أن الرأي العام يخالف ماكرون ولوبن على السواء.
وبين استطلاع لـ”جورنال دو ديمانش” الأحد أن 60 في المئة من المستطلعين يفضّلون فرض إغلاق، لكن معظمهم يؤيد بقاء المدارس والمتاجر غير الأساسية مفتوحة.