رئيسيشئون أوروبية

فقاعة المناخ الأوروبية تنفجر عشية قمة COP30: انقسام أوروبي يعيد تشكيل الأجندة الخضراء

قبل أيام من انطلاق قمة المناخ العالمية COP30 في البرازيل، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام واقع جديد من الانقسام والارتباك، بعد أن تحوّل من رائد عالمي في العمل المناخي إلى تكتلٍ متردد يواجه تراجعًا سياسيًا واقتصاديًا يهدد طموحاته البيئية.

فبعد مفاوضات ماراثونية استمرت طوال ليلة الثلاثاء حتى صباح الأربعاء، توصّلت أغلبية حكومات الاتحاد الـ27 إلى اتفاق جديد بشأن أهداف خفض الانبعاثات.

إلا أن هذا الاتفاق جاء مخففًا ومليئًا بالتنازلات التي أضعفت القوانين البيئية السابقة، ما يعكس التراجع التدريجي في الإجماع الأوروبي حول السياسات الخضراء.

وتم الاتفاق على خفض الانبعاثات بنسبة 85% بحلول عام 2040 مقارنة بمستويات عام 1990، بدلًا من الهدف الأصلي البالغ 90%. وستتم تغطية النسبة المتبقية عبر شراء أرصدة كربونية من دول أخرى، أي أن الاتحاد سيسمح عمليًا بتصدير جزء من التزاماته المناخية إلى الخارج.

كما أقرّ الوزراء بندًا يسمح بمراجعة الهدف كل خمس سنوات وفقًا للظروف الاقتصادية وأسعار الطاقة، ما يمنح الدول مجالًا واسعًا للتراجع مستقبلاً.

هذا التحول الكبير عُدّ بمثابة “انفجار لفقاعة المناخ الأوروبية”، بحسب خبراء وصفوا المشهد بأنه نهاية مرحلة من “الزخم الأخضر” الذي بدأ قبل ست سنوات.

وقال فوبكه هوكسترا، المفوض الأوروبي لشؤون المناخ، إن الاتفاق يمثل “نهجًا براغماتيًا جديدًا” يأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الصعبة وصعود التيارات الشعبوية. وأضاف: “نحن مصرّون على مكافحة تغير المناخ، لكن سيكون من الحماقة الاستمرار بنفس أساليب الماضي. علينا التكيف مع الواقع الجديد”.

لكن منتقدين رأوا في كلامه تبريرًا للتراجع. فقد وصف ديدريك سامسوم، أحد مهندسي “الصفقة الخضراء الأوروبية”، الاتفاق بأنه “قصير النظر ومحرج”، وقال إن “الافتقار إلى الشجاعة السياسية بين الوزراء الأوروبيين مقلق للغاية”.

وفي سبيل كسب دعم دول مثل إيطاليا وبولندا ورومانيا، وافق الاتحاد على تأجيل تطبيق نظام تسعير الكربون الجديد (ETS2) لعام واحد، كما تم توسيع استخدام الوقود الحيوي في قطاع النقل، ما يُضعف الحظر المقرر على السيارات العاملة بمحركات الاحتراق اعتبارًا من 2035.

ورغم هذه التنازلات، لم يكن الإجماع سهلًا. فقد قادت بولندا حملة رفض، وأصرّت على ضمانات اقتصادية مقابل تأييدها، فيما قالت وزيرة البيئة الفرنسية مونيك باربو إن باريس وافقت على “الحد الأدنى الممكن” لتجنب انهيار المفاوضات بالكامل.

وصرّحت باربو قائلةً: “كان علينا إنقاذ الاتفاق بأي ثمن، لكن لا ينبغي أن يُفهم ذلك على أنه تخلي عن ريادة أوروبا في مجال المناخ”.

من جهة أخرى، حذّرت الخبيرة سيمون تاجليابيترا من مركز بروغل للأبحاث من أن “إضعاف الأدوات الحالية لخفض الانبعاثات بهدف تحقيق أهداف مستقبلية هو مفارقة خطيرة”، مؤكدة أن أوروبا “تغامر بفقدان صدارتها العالمية في السياسة المناخية”.

ويقول مراقبون إن التحول الحالي يعكس ضغوطًا داخلية متزايدة: أسعار الطاقة المرتفعة، وتراجع الثقة الصناعية، وصعود الأحزاب اليمينية المشككة في سياسات المناخ، كلها عوامل دفعت الحكومات إلى مراجعة التزاماتها السابقة.

وفي ختام الاجتماع، حاول هوكسترا التقليل من المخاوف، قائلاً إن هذه التعديلات تمثل “مرحلة جديدة أكثر واقعية”، مضيفًا: “في الماضي خاطرنا باستقلالنا وقدرتنا التنافسية بشكل لم يكن ينبغي أن نفعله. الآن نحاول تصحيح المسار دون التخلي عن أهدافنا الأساسية”.

لكن عشية قمة COP30، يظهر الاتحاد الأوروبي بوجه مختلف: أقل ثقة، أكثر انقسامًا، وأبعد ما يكون عن الصورة التي رسمها لنفسه كرائد عالمي في مكافحة تغير المناخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى