تنديد حقوقي بحملة تطهير وسائل إعلام من صحافيين عرب في ألمانيا
أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء تصاعد استهداف وتشويه صحافيين عرب وفلسطينيين عاملين في وسائل إعلام ألمانية.
وقال المرصد الأورومتوسطي -ومقره جنيف- في بيان صحفي إنه منذ أن أصدر البرلمان الألماني قرارًا يصف حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات ضد إسرائيل بالمعادية للسامية، شهدت البلاد حملات متزايدة تهدف للخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، وتجريم انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
وقال الأورومتوسطي إنّ هذا لا يشكل خطرًا جسيمًا على حرية التعبير فحسب، بل ينطوي على استخدام الاتهامات بمعاداة السامية كسلاح ضد الشخصيات العامة من الأقليّات.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الإذاعة الدولية الألمانية العامة (دويتشه فيله) المملوكة للدولة، عن وقف بعض موظفيها العرب والعاملين المستقلين في الخارج عن العمل، على أن يتم فتح تحقيق، بمشاركة وزيرة العدل الألمانية السابقة “سابين لوثيوسر شنارنبرغر” والطبيب النفسي الفلسطيني “أحمد منصور”، باتهامات تتعلق بمعاداتهم للسامية.
وحدد الأورومتوسطي خمسة صحافيين عرب، بينهم فلسطينيتان اثنتان، أوقفوا عن العمل بسبب نشرهم منشورات تنتقد دولة إسرائيل.
وكانت إذاعة غرب ألمانيا، قبل هذا الإعلان بوقت قصير، أوقفت البرنامج العلمي “كوارك” الذي تقدمه “نعمة الحسن”، وهي صحافية ألمانية من أصول فلسطينية، بسبب مزاعم مماثلة تتعلق بمعاداة إسرائيل.
وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ الصحف والمنظمات وأعضاء الجماعات اليمينية المتطرفة الموالية لإسرائيل تستهدف الصحافيين العرب أو الفلسطينيين في وسائل الإعلام الألمانية، وتبذل جهودًا كبيرة للبحث في ماضيهم من أجل الوصول إلى ما يدينهم ومن ثم توقيفهم عن العمل.
وقال إن حملات التشويه تقوم على مغالطة الذنب بالارتباط (رفض رأي معين بالنظر إلى معتنقيه)، أو تسليط الضوء بشكل انتقائي على كتابات قديمة للصحافيين المستهدفين قد لا تمثل توجهاتهم الحالية بالضرورة، أو تعمد إساءة تفسير أو إخراج كلامهم من سياقه لاستحضار اتهامات بمعاداة السامية.
على سبيل المثال، في حالة الصحافية “الحسن”، نشر منتج على يوتيوب يُدعى “ايرفان بيتسي”، ذو صلة بحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، مقطع فيديو تظهر فيه “الحسن” وهي تشارك بتظاهرة احتجاجية بعنوان “مسيرة القدس” في عام 2014، وهو العام الذي شنت فيه إسرائيل هجوم “الجرف الصامد” العسكري على قطاع غزة، حيث زُعم أنّ بعض المشاركين في التظاهرة أطلقوا هتافات فُسرت على أنها معادية للصهيونية أو معادية للسامية.
ولفت الأورومتوسطي إلى أن هذا الادعاء اعتُبر دليلًا كافيًا لبعض وسائل الإعلام الألمانية مثل شبرينغر لاستعداء “الحسن” واتهامها بمعاداة السامية، بينما لم تأخذ حملات التشهير ضد “الحسن” بعين الاعتبار ما إذا كانت قد شاركت في الهتافات، أو ما إذا كانت قد غيرت وجهات نظرها منذ 2014.
وبالمثل، تعرضت الصحافية من أصول فلسطينية أردنية “فرح مرقة” والتي أوقفتها دويتشه فيله عن العمل، لحملة تشهير سلطت الضوء بشكل انتقائي على مقالتين كتبتهما منذ سبع سنوات.
فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة شبيغل الألمانية الاقتباس التالي في وقت سابق من هذا الشهر: “في عام 2014، وصفت مرقة في صحيفة “رأي اليوم” الإلكترونية العربية إسرائيل بـ”السرطان”، الذي يجب “استئصاله”.
وكتبت في عام 2015 أنها قد تنضم أيضًا إلى جماعة داعش الإرهابية إذا كانوا “سيطردون الإسرائيليين من الأرض المقدسة”.
وفحص فريق الأورومتوسطي المقالات التي أشارت إليها الصحيفة وخلص إلى أن كلمات “مرقة” ربما تكون قد أُخرجت من سياقها وأسيء تفسيرها.
إذ أن المثال الذي وصفت فيه إسرائيل ب”السرطان” مأخوذ من مقال تحدثت فيها عن الجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا، وأشارت فيه إلى زعيم جماعة جهادية تقاتل في سوريا مدعوم من إسرائيل، حيث ظهر في وسائل الإعلام الإسرائيلية على أنه مثال غريب على “من يقاتل من ومتى”.
واختتمت الصحفية الفقرة بقولها “عندما ينمو السرطان في الجسم يؤذي العديد من أعضائه… في أجسادنا التي تتأذى بالفِرق والمذاهب والأصول… يوجد سرطان واحد فقط… استخرجوه وسنشفى!”
وبيّن الأورومتوسطي أن الجملة التي نقلتها شبيغل لا توضح ما إذا كانت “مرقة” تشير إلى إسرائيل أو الجماعات الجهادية في سوريا.
أما فيما يتعلق بادعاء استعدادها للانضمام لداعش، فتشير مقالة شبيغل إلى فقرة أيدت فيها “مرقة” تحليلاً يتعلق بذكر زعيم تنظيم “داعش” فلسطين في خطاب له.
وقالت حينها إنّ ذلك يؤشر على يأس الجماعة واستغلالها للقضية الفلسطينية، ثم قالت ساخرةً إنه إذا كانت الجماعة صادقة في شعاراتها تجاه فلسطين، فإنها ستعيد النظر في “حكمها على رجالهم وداعميهم الماليين”.
ثم قالت -ساخرة أيضًا- إنها قد تنضم إلى أي جماعة -بما في ذلك داعش- إذا كانت “ستعيد أرض فلسطين لشعبها” حتى لو كان دين تلك الجماعة البوذية.
وبيّن الأورومتوسطي أن نص الصحافية يقوم على فكرة برهان الخُلف (فلسفة تقوم على أساس إثبات صحة المطلوب بإبطال نقيضه)، حيث تحاول الصحفية إثبات ادعاء أن داعش لا تريد سوى استغلال القضية الفلسطينية من خلال إظهار سخافة السيناريو المعاكس، مشددًا أنها لم تُمنح فرصة عادلة لشرح حجتها في هذا المقال أو بيان ما إذا كانت غيّرت توجهاتها.
وبالعودة إلى قضية الصحافية “الحسن”، فإنّ أكثر ما يثير القلق هو تعرضها للهجوم على منصة بيلد الألمانية لمجرد إعجابها بمنشورٍ على حساب “إنستغرام” الخاص بمنظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” وهي إحدى أكبر الجماعات اليهودية اليسارية في الولايات المتحدة التي تنتقد إسرائيل.
وكان المنشور الذي أعجبت فيه “الحسن” وتعرضت لحملة تشويه شديدة بسببه يتهم إسرائيل بممارسة سياسة “الفصل العنصري” في الأراضي الفلسطينية.
وذكر الأورومتوسطي أنّ توبيخ صحافي وفضحه لاستخدامه مصطلح مثل “الفصل العنصري” ضد إسرائيل، وهو ذات المصطلح الذي استقرت عليه منظمات دولية -منها بتسيلم، وهي أكبر منظمة حقوق إنسان إسرائيلية، وهيومن رايتس ووتش- لوصف الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وفي مايو/أيار الماضي، خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، وزعت دويتشه فيله دليلًا داخليًا من صفحتين للصحافيين العاملين لديها يمنعهم من إقامة أي ارتباط بين دولة إسرائيل والاستعمار، أو استخدام مصطلح الفصل العنصري، وهو ما ينطوي على قمع خطير لحرية التعبير يهدف إلى ترسيخ الانحياز لإسرائيل في وسائل الإعلام الألمانية بدلاً من الدفاع عن المبادئ الصحفية.
ونبّه المرصد الأورومتوسطي وسائل الإعلام الألمانية مثل دوتشيه فيله وإذاعة غرب ألمانيا إلى خطورة طرد الصحافيين الفلسطينيين والعرب بشكل تعسفي بسبب حملات التشهير التي تنفذها الجماعات الموالية لإسرائيل أو اليمين المتطرف، والتي من شأنها تحفيز المزيد من الاستهداف التمييزي لشخصيات عامة من أصول فلسطينية أو عربية، أو ممن لديهم آراء متعاطفة مع حقوق الفلسطينيين وحريتهم.