حدد وكيل الشؤون الإنسانية أمام مجلس الأمن الدولي، مارتن غريفيثس، أولويات لتجنب معاناة ومأساة المدنيين في أوكرانيا من بينها إنشاء نظام تواصل مستمر مع أطراف النزاع وضمانات، لتمكين إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها.
وقد استمع مجلس الأمن مجددا الأمس الاثنين إلى إحاطة من غريفيثس بشأن الوضع الإنساني في أوكرانيا منذ بدء العمليات العسكرية الروسية، كما استمع إلى إحاطة من المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسيل.
وفي مستهل كلمته، قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، إن المنظمات الإنسانية سارعت في العمل حتى في الأسابيع التي سبقت الهجوم العسكري على أوكرانيا.
وذكر مخاطبا رئيسة مجلس الأمن مندوبة دولة الإمارات العربية، لانا زكي نسيبة: “في الأسابيع التي سبقت بدء الهجوم العسكري في أوكرانيا، وفي خضّم ضجيج التعليقات والخطابات والتنبؤات، بدأت المنظمات الإنسانية عملها. إنها لا تنام يا سيدتي الرئيسة، دعيني أؤكد لكِ أنها لا تنام.”
ثلاث أولويات مطلوبة للتخفيف من المعاناة والألم
حدد غريفيثس ثلاث أولويات للتخفيف من معاناة وألم المدنيين:
أولا، يجب على الأطراف أن تحرص باستمرار على تجنيب المدنيين ومنازل المدنيين والبنية التحتية في عملياتها العسكرية. يشمل ذلك السماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق القتال الفعلي على أساس طوعي في الاتجاه الذي يختارونه. يجب احترام وحماية جميع المدنيين، سواء ظلوا أو غادروا.
ثانيا، حاجة إلى ممر آمن للإمدادات الإنسانية إلى مناطق الأعمال العدائية النشطة. المدنيون في أماكن مثل ماريوبول وخاركيف وميليتوبول وأماكن أخرى في أمس الحاجة إلى المساعدة، وخاصة الإمدادات الطبية المنقذة للحياة. هناك العديد من الأساليب الممكنة، ولكن يجب أن تتم بما يتماشى مع التزامات الأطراف بموجب قوانين الحرب.
ثالثا، ثمة حاجة ماسة إلى نظام تواصل مستمر مع أطراف النزاع وضمانات لتمكين إيصال المساعدات الإنسانية. يمكن لنظام الإخطار الإنساني أن يدعم توصيل المساعدات بالحجم المطلوب.
وقال: “لقد نقلتُ بالفعل هذه النقاط الثلاث إلى السلطات الأوكرانية والاتحاد الروسي. فيما يتعلق بنقطتي الثالثة، أرسل مكتبي فريقا إلى موسكو للعمل على تنسيق إنساني مدني-عسكري أفضل يمكن أن يسمح لنا بتوسيع النطاق.”
ويأتي ذلك في أعقاب المكالمة الهاتفية التي أجريت يوم الجمعة الماضية بين الأمين العام ووزير الدفاع في الاتحاد الروسي، سيرغي شويغو.
وأضاف يقول: “أرحب بالتعاون بين الجانبين وآمل بصدق أن أرى المزيد من التقدم في الساعات المقبلة.”
كما أكد غريفيثس أن الطواقم الإنسانية كانت تعمل في منطقة دونباس لتزويد 1.5 مليون شخص بالمساعدات الإنسانية. “عمل كانت تقوم به بهدوء ودون جلبة خلال السنوات الثماني الماضية. لا تزال تفعل ذلك حتى اليوم، كيف ومتى استطاعت ذلك. لكنها بالطبع مستعدة للأسوأ.”
وأشار غريفيثس إلى أنه قبل أسبوعين، اعتقد قليلون أن السيناريو الموجود اليوم – وهو واحد من صراعات شديدة – سيحدث. كان في الأساس غير مخطط له. مع ذلك، فقد وضع المجتمع الإنساني الخطط.
وأضاف يقول: “نظرنا إلى الأرقام الممكنة مع مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة وشركائنا من المنظمات غير الحكومية وبرنامج الأغذية العالمي. وقمنا بتقدير من يحتاج إلى المساعدة، من سيكون متنقلا أو الفئات الضعيفة التي قد تحتاج إلى مساعدة في المنزل. نظرنا في المسالك الممكنة (للوصول إليهم) وسبل توزيع المساعدات. حشد برنامج الأغذية العالمي لوجستياته الكبيرة لبدء سلاسل التوريد وتشغيلها، بدءا من مكان ثابت.”
وأكد أن جميع الوكالات الإنسانية، بما في ذلك مكتبه، قام بإرسال عدد أكبر من الموظفين في الأيام التي سبقت بدء الهجوم، مضيفا حتى الأمين العام للأمم المتحدة قام بتعيين أمين عوض على نحو سريع، كمنسق للأزمة، وهو موجود حاليا في كييف.
وتابع غريفيثس قائلا: “في الأيام الأولى للهجوم أمضى موظفونا، مثلهم مثل كثيرين في أوكرانيا، أيامهم ولياليهم في العمل من المخابئ والأقبية. مع ذلك فقد تمكنوا من وضع خطتي استجابة قويتين أطلقتهما أنا وفيليبو غراندي (مفوض شؤون اللاجئين) الأسبوع الماضي في جنيف، (تم تلقي) استجابة سخية من المانحين.”
تحطيم حياة الملايين
وتساءل غريفيثس مخاطبا أعضاء المجلس: “هل أحتاج إلى وصف ما رأيناه وسمعناه جميعا في الأخبار؟ ببساطة، تحطمت حياة الملايين.”
ووصف حياة الناس اليومية، قائلا إنه لا يمكن لهم البقاء في منازلهم مع إغلاق المتاجر وانقطاع الكهرباء والماء وسقوط القذائف وانقطاع الهواتف. ولا يمكنهم العثور على ما يحتاجون إليه حتى لو كان لديهم المال لدفع ثمنه، ولا يستطيع الكثيرون الهروب بأمان أيضا.
وتابع يقول: “لقد مر 11 يوما على تصاعد العنف والخوف والألم. حتى 6 آذار/مارس، أفاد مكتب مفوضة حقوق الإنسان بسقوط ما لا يقل عن 1,207 من الضحايا في صفوف المدنيين، بما في ذلك 406 قتلى على الأقل. يمكن أن يكون الرقم الحقيقي أعلى بكثير.”
وأشارت مفوضية اللاجئين بأن أكثر من 1.7 مليون لاجئ فرّوا في 11 يوما، وربما يكون هذا الرقم قديما الآن.
رغم ذلك، استمرت المساعدة الإنسانية في جميع المناطق التي يسمح فيها الأمن. وتحت قيادة منسق الأزمات في الدولة، توجد خطط جديدة حول كيفية تقديم الخدمات الإنسانية الأكثر حدة. هذا يشمل مدنا مثل ماريوبول وخاركيف وخيرسون. كما تم توسيع نطاق الاستجابة في فينوتسيا وأوجورود ولفيف.
استمرار العمل على مساعدة الناس
أكد غريفيثس أن الأمم المتحدة وشركاءها قدموا بالفعل الغذاء لمئات الآلاف من الأشخاص. ويقوم برنامج الأغذية العالمي بإعداد عمليات سلسلة التوريد لتقديم المساعدات الغذائية والنقدية الفورية إلى 3-5 ملايين شخص داخل أوكرانيا.
كما قامت منظمة الصحة العالمية بشحن رعاية الإصابات ومعدات الجراحة الطارئة وغيرها من الإمدادات التي ستساعد آلاف الأشخاص. والمزيد من الإمدادات في طريقها أيضا.
ويقوم مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين بتقديم المساعدة عبر شبكة من المتاجر في ماريوبول بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية. وتجلب المفوضية آلاف البطانيات والمراتب ومواد الإغاثة غير الغذائية من بولندا وشحنها إلى مراكز العبور.
وعمل الصليب الأحمر الأوكراني على توزيع المساعدات الإنسانية إلى الآلاف عبر مخزونات الطوارئ، بما في ذلك مستلزمات النظافة والطعام والملابس الدافئة والأدوية.
وأضاف يقول: “أحيي بشكل خاص أكثر من 4,000 متطوع من الصليب الأحمر، والعاملين المجتمعيين في المنظمات غير الحكومية المحلية، وسائقي الشاحنات الذين يحملون الضروريات الأساسية إلى المناطق المضطربة.”
دعوة إلى عدم نسيان المآسي الأخرى في العالم
في ختام كلمته، أشار غريفيثس إلى أن الناس يراقبون هذا الصراع “غير الضروري” وهو يطوّق المدن والمدنيين. بالإضافة إلى ما يحدث في أوكرانيا، لديهم شعور إضافي بالرهبة من تأثير ذلك على العالم الأوسع.
وقال: “إنني قلق للغاية بشأن العواقب على الأشخاص الضعفاء الذين يعيشون في نصف عالم بعيد.”
وأشار إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وحالة عدم اليقين في الإمدادات، كما يواجه الناس في منطقة الساحل واليمن والقرن الأفريقي وأفغانستان ومدغشقر بالفعل انعداما للأمن الغذائي.
وتعني أسعار الوقود ذات المستوى القياسي أن الحياة لا تزال أكثر صعوبة في أماكن مثل لبنان، حيث تحافظ المولدات على تشغيل المستشفيات ومحطات معالجة المياه.
ورحب بسخاء المانحين خلال أزمة أوكرانيا لكنه استدرك قائلا: “نأمل في أن ذلك لن يصرف نظر الجهات المانحة عن أزمات إنسانية أخرى ملحة.”
وأشار إلى أن هذه قد تكون أحدث أزمة، لكنها ليست الوحيدة. “نحن غير قادرين على تلبية احتياجات المدنيين اليوم، آمل ألا نخذلهم غدا.”
اليونيسف تدعو إلى تجنيب الأطفال خطر الاعتداء
“ما يحدث للأطفال في أوكرانيا هو انتهاك أخلاقي. يجب أن تصدم صور أم وطفليْها وصديق لهم- راقدين في الشارع بعد إصابتهم بقذيفة هاون أثناء محاولتهم الفرار إلى بر الأمان – ضمير العالم. يجب علينا العمل لحماية الأطفال من هذه الوحشية.”
بهذا ناشدت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل، في أول إحاطة لها مجلس الأمن، بعد توليها منصبها، ممثلي الدول الأعضاء، داعية إياهم إلى “تذكير جميع الأطراف بالتزامها القانوني والأخلاقي بحماية الأطفال وتجنيبهم الاعتداء.”
وأعربت راسل عن القلق البالغ بشأن الهجمات على البنية التحتية المدنية اللازمة لمساعدة الأطفال على تجاوز هذا الصراع، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية الحيوية للطاقة. وقالت:”ندعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن القتال بالقرب من هذه المناطق المحمية أو استهدافها، وعن الهجمات الإلكترونية التي يمكن أن تعطل الخدمات الحيوية للأطفال والعائلات.”
ضمان إلا تعرقل العقوبات العمل الإنساني
ما ناشدت جميع الأطراف “تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك الذخائر العنقودية، التي تشكل أكبر خطر يلحق الأذى بالأطفال”. وحثت المسؤولة الأرفع في اليونيسف جميع الأطراف على حماية المدنيين من المزيد من الأذى المرتبط بالتلوث الناجم عن الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب.
وفي كلمتها شددت كاثرين راسل على أن يرسل مجلس الأمن “رسالة قوية إلى جميع الأطراف بشأن التزامها بضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني والمعدات، والسماح بعملنا وتسهيله.”
وأوضحت قائلة:
“وهذا يعني أيضا ضمان ألا تعرقل العقوبات والتدابير التقييدية الأخرى العمل الإنساني.”
وقد جددت اليونيسف دعوتها إلى التعليق الفوري للأعمال العسكرية الجارية في أوكرانيا.
وقالت على لسان مديرتها: “نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار وضمانات كافية لتمكين وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع إلى جميع الأشخاص المحتاجين في جميع أنحاء أوكرانيا.”
سيتيح ذلك وصول المساعدات الإنسانية الضرورية والحماية إلى المحتاجين – والسماح للعائلات في المناطق الأكثر تضررا بالخروج للحصول على الطعام والماء، أو طلب الرعاية الطبية، أو مغادرة منازلهم بحثا عن الأمان.
هذا وأكدت كاثرين راسل أن اليونيسف جهة فاعلة إنسانية تلتزم بالمبادئ الإنسانية، مشيرة إلى أنه على مدى السنوات الثماني الماضية، عملت اليونيسف على جانبي خط الاتصال في شرق أوكرانيا، ونحن ملتزمون بتقديم المساعدة الإنسانية والحماية لجميع الأطفال المحتاجين في جميع أنحاء أوكرانيا وفي البلدان المجاورة.”لكن هذه الوحشية يجب أن تنتهي.”