العراق: ثلاث سنوات دون عدالة لضحايا انتهاكات قمع التظاهرات
دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة تقصّي حقائق بشأن انتهاكات تعرض لها المتظاهرون العراقيون في احتجاجات أكتوبر/تشرين أول 2019، بعد فشل السلطات العراقية في محاسبة الجناة على مدار ثلاث سنوات.
وقال المرصد الأورومتوسطي في تقرير موجز بعنوان “الجناة لن يحاسبوا أنفسهم”، إنّه رغم تعاقب حكومتين وتعدد لجان التحقيق منذ اندلاع الاحتجاجات التي قُتل فيها نحو 730 عراقيًا وأصيب أكثر من 25 ألفًا آخرين، إلّا أنّ العدالة ما تزال بعيدة المنال.
وأوضح المرصد الحقوقي أنه لم يخضع أيُّ من المتورطين في جرائم قتل المتظاهرين أو إخفائهم أو الاعتداء عليهم للمساءلة الجنائية، واكتفت السلطات بالإعلان عن تعويضات مادية للضحايا.
وقال الباحث في المرصد الأورومتوسطي “عمر عجلوني”: “لم نكن نعوّل كثيرًا على لجان التحقيق الحكومية في إنصاف الضحايا، إذ إنّ بعضها لم تُشكّل أو تعمل وفق مبادئ الاستقلالية والحيادية، وضمّت في عضويتها ممثلين عن الجناة المحتملين، وبالتأكيد فإنّه من غير المتوقع أن يحاسب الجناة أنفسهم”.
وأضاف أنّه “عملت لجان التحقيق على مدار ثلاث سنوات ولكنّها لم تحقق العدالة للضحايا، ومن المهم الآن أن تتولى الجهات الأممية عملية التحقيق لضمان العمل بنزاهة واستقلالية بعيدًا عن محددات وضغوط التيارات والأحزاب المتنفذة في مختلف مفاصل الدولة”.
وأوضح التقرير أنّه تم تشكيل عدة لجان تحقيق حكومية في الانتهاكات ضد محتجي أكتوبر/ تشرين أول 2019؛ الأولى في 12 أكتوبر/تشرين أول 2019 أثناء ولاية رئيس الوزراء الأسبق “عادل عبد المهدي”، وكانت برئاسة وزير التخطيط آنذاك “نوري الدليمي”.
أما الثانية فشكّلها وتولى قيادتها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 9 مايو/ أيار 2020، إضافة إلى لجنة أخرى شُكّلت بعدها بأيّام لتقصي حقائق بشأن وجود سجون سرية يُحتجز فيها متظاهرون ومعارضون.
وعقب عشرة أيام من تشكيلها، نشرت لجنة التحقيق الأولى تقريرها بخصوص الأحداث، وأكّدت فيه مقتل 149 مدنيًا، وثمانية عسكريين خلال ستة أيام من التظاهرات، لكنّها أكّدت أنّ الجهات العليا لم تصدر أوامر رسمية بإطلاق الرصاص على المتظاهرين.
وأوصت بإحالة عدد من المسؤولين الأمنيين إلى القضاء، وإعفاء قادة آخرين من مناصبهم، ووثقت استهداف قنّاصة للأجزاء العلوية من أجساد المتظاهرين بالرصاص الحي.
وفي ذلك الوقت، أحال رئيس الوزراء الأسبق “عادل عبد المهدي” نتائج التحقيق إلى القضاء.
وفي 4 أكتوبر/تشرين الأول 2020 نفى مجلس القضاء الأعلى تسلّمه “ملفًا يخص مرتكبي جرائم القتل والخطف التي طالت متظاهري تشرين”، وقال إنّه تسلم فقط “ملف تحقيق إداري ليس فيه متهمين محددين (…)، ولم يتضمن الملف تقصير أية جهة سواء كانت مؤسساتية أو شخصية”.
أما لجنة التحقيق الثانية برئاسة “الكاظمي”، والتي ضمّت خمسة من القضاة المتقاعدين وعددًا من المحققين والخبراء، فلم تعلن نتائج عملها حتى تاريخ نشر هذا التقرير، ولم يمثل أمام المحاكم أي من المتورطين في عمليات قتل وقمع المتظاهرين.
وحول أسباب ذلك، قال وزير الداخلية في حكومة الكاظمي “عثمان الغانمي” في يناير/ كانون ثان 2021، إنّ سبب عدم التوصل إلى نتائج يعود إلى أنّ بعض جرائم قتل المتظاهرين في العاصمة بغداد “وقعت نتيجة لتصرفات شخصية قطعية”، وأنّ “كاميرات المراقبة لم تساهم في كشف جرائم قتل المتظاهرين لأنها كانت تعاني من خلل تم إصلاحه أخيرًا”، ووصف الوصول إلى الحقائق أنّه “أمر معقد”.
ووثّق التقرير إفادات جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي حول أوضاع الضحايا، إذ يواجهون، ولا سيما أهالي القتلى، سياسة مماطلة قد تبدو منظّمة لدى التقدم بدعاوى حول مقتل أبنائهم. وفي بعض الأحيان، تتوقف إجراءات التحقيق بسبب رفض القوى الأمنية التعاون مع الجهات القضائية المختصة.
أبلغت عائلة الشاب “أمير سعد جابر” الذي قُتل في 4 أكتوبر/ تشرين أول 2019 قرب مبنى مجلس محافظة الديوانية فريق المرصد الأورومتوسطي: “تقدمنا بشكوى وتم على إثرها فتح تحقيق في قضية قتل أمير، وتحول الملف من محافظة الديوانية إلى بغداد وكان المتهم الرئيسي في القضية المفرزة التابعة للفرقة الذهبية التي كانت متواجدة فوق مبنى المحافظة.
خاطبت المحكمة الفرقة الذهبية وطلبت أسماء المفرزة التي كانت متواجدة هناك في ذلك اليوم، لكن الفرقة امتنعت عن التعاون، وقالت: “نحن قوة قتالية تابعة لرئاسة الوزراء ولا نستطيع ان نعطيكم الأسماء”. ولغاية الآن لم تتم محاسبة المتورطين في ارتكاب هذه الجريمة.”
علاوة على ذلك، لم يحصل عدد من أهالي القتلى على التعويض المُعلن من الحكومة العراقية سوى بعد عامين من مقتل أبنائهم. وفي بعض الأحيان، لا يحصل الأهالي سوى على نصف راتب التعويض المقرر.
في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت عائلة الشاب “أمير الكناني” الذي قُتل 25 أكتوبر/ تشرين أول 2019 بسبب مشاركته في الاحتجاجات: “لم يتم التحقيق في مقتل أمير بشكل رسمي، ولم نحصل سوى على نصف الراتب المقرر بعد سنتين من مقتله”.
وبالمثل، وثّق التقرير عدم تلقّي بعض المصابين للراتب التعويضي رغم تعطّلهم بشكل شبه كامل عن الحركة بسبب الإصابة، إذ أبلغ الشاب “كميل عبد الحسين” (21 عامًا)، وهو أحد مصابي الاحتجاجات، فريق المرصد الأورومتوسطي: “أُصبت بطلق ناري أثناء وجودي بساحة اعتصام النجف بتاريخ 5 فبراير/ شباط 2020.
تسبّبت الرصاصة بإصابتي بشلل رباعي منعني من ممارسة حياتي بشكل طبيعي. وعلى الرغم من تقديمي شكوى رسمية، إلا أنّها لم تُتابع من الجهات المختصة. لم أحصل على تعويضات، ولم يُحاسب حتى الآن أي من المسؤولين عن إصابتي بالشلل.
ونبّه تقرير الأورومتوسطي إلى أنّ الإخفاء القسري كان من أبرز وأخطر أنماط الانتهاكات التي رافقت احتجاجات أكتوبر/ تشرين أول 2019، إذ يُقدّر عدد المختفين قسرًا على خلفية نشاطهم في الاحتجاجات بالعشرات.
وعلى الرغم من الوعود الحكومية العديدة بالكشف عن مصيرهم، إلّا أنّ السلطات فشلت حتى الآن في الكشف عن مصير هؤلاء الأشخاص.
قالت عائلة الناشط المختفي قسريًا “سجاد العراقي” في إفادتها لفريق المرصد الأورومتوسطي: “كان سجّاد ينشط في كشف قضايا الفساد عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، وشارك بفاعلية في احتجاجات أكتوبر/ تشرين أول.
وفي يوم 19 سبتمبر/ أيلول 2020 تعرّض للاختطاف من إحدى الجهات المعروفة لدينا، وأبلغنا الجهات الأمنية بهوية الخاطفين المحتملين لكنّها لم تتعاون معنا. مرّ على اختطاف سجّاد أكثر من عامين ولا نعرف أي معلومات عن مصيره”.
وأضافت، “تقدّمنا بشكاوى لدى دوائر أمنية وقضائية عدة، وزودناهم بالمعلومات الشخصية الخاصة بالخاطفين المحتملين وحتى صورهم، ولكن تم إهمال وتجاهل تلك الشكاوى، ولم نلمس أيّ بوادر لمحاسبة الخاطفين والكشف عن مصير سجاد”.
وأورد التقرير أسبابًا عدة لفشل عمل لجنتي التحقيق في الانتهاكات التي رافقت احتجاجات أكتوبر/ تشرين أول 2019، أبرزها غياب الاستقلالية والحيادية بسبب النفوذ الكبير داخل السلطة للتيارات التي يُعتقد أنّ أفرادها شاركوا في عمليات قتل المتظاهرين وقمع الاحتجاجات.
إذ ضمّت لجنة التحقيق الأولى في عضويتها أشخاصًا ينتمون إلى تيّارات متهمة بالمشاركة في قمع الاحتجاجات، كما أنّ النفوذ الكبير لهذه التيارات في مختلف مفاصل الدولة ساهم بإعاقة التحقيقات بشكل كبير.
وعلاوة على ذلك، لم تتبع لجنتا التحقيق آليات واضحة للتواصل مع أهالي القتلى أو الجرحى أو المختفين قسريًا بما يضمن توثيق إفاداتهم ومتابعتها على النحو السليم. كما أدّى غياب الاستقرار وتعقّد الأزمة السياسية إلى ضعف قدرة لجنة التحقيق الثانية على العمل بحرية واستقلالية.
وطالب المرصد الأورومتوسطي بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق تتولى التحقيق في جميع الجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن والميليشيات المسلحة خلال احتجاجات أكتوبر/تشرين أول 2019.
وحث على إنشاء قناة تواصل مباشرة وآمنة مع الضحايا على نحو يمكّنهم من تقديم الأدلة دون تحفظ أو خشية من تسرب المعلومات للجهات المتنفذة، ووضع إطار زمني محدد لعملية المساءلة والمحاسبة، وضمان تقديم جميع الدعم والتسهيلات الممكنة لإنجاز المهمة.
كما حثّ المرصد الأورومتوسطي الحكومة العراقية على التعاون مع أي جهود للتحقيق على نحو مستقل وجاد في جميع الانتهاكات ضد المتظاهرين خلال احتجاجات أكتوبر/ تشرين أول 2019، وبذل جميع الجهود الممكنة للكشف عن مصير المختفين قسرًا، والتصدّي لمحاولات التستر على المتورطين في جرائم الإخفاء القسري.
وأكد على ضرورة توفير الحماية الكاملة لمن يملكون معلومات أو أدلة متعلقة بتلك الجرائم، والتعامل بسرية ومهنية مع المعلومات المقدمة، إلى جانب تذليل الصعوبات الإدارية والقانونية أمام الضحايا وتمكينهم من تقديم الشكاوى القضائية، وتسهيل حصولهم على التعويضات المقررة لهم بموجب القانون.
ودعا المرصد الأورومتوسطي القوى والأحزاب السياسية إلى رفع الغطاء السياسي والتنظيمي عن أي متهم بعمليات قتل وقمع المتظاهرين، وعدم استخدام النفوذ داخل المواقع الرسمية لحماية المتهمين أو منع محاسبتهم والامتناع عن رفض أو إعاقة عمل لجان التحقيق ذات العلاقة.