انتقادات إلى فرنسا بسبب لوائح جديدة تنتهك حقوق آلاف العمال المهاجرين
أعربت منظمة إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان، عن قلقها البالغ إزاء اقتراح الحكومة الفرنسية مؤخرا لوائح جديدة للهجرة قد تنتهك حقوق آلاف العمال المهاجرين وتروج للخطاب العنصري الذي يتباهى به السياسيون والأحزاب اليمينية المتطرفة في البلاد.
وأشارت مؤسسة الفكر ومقرها لندن، في بيان صحافي، إلى إعلان الحكومة الفرنسية يوم الأربعاء الماضي عن مقترح قانون ينص على توفير تصريح إقامة خاص للمهاجرين غير النظاميين الذين يعملون في القطاعات التي تعاني من نقص في الموظفين.
وبحسب متابعة إمباكت يهدف القانون الجديد لمكافحة تفشي الاستغلال بين العمال المهاجرين غير المرخص لهم بالعمل في ظل انتشار نقص الأيدي العاملة في العديد من الدول الأوروبية.
وعبرت “إمباكت” عن قلقها تجاه إجراءات الهجرة الجديدة التي من المتوقع النظر فيها عام 2023، إذ من شأنها تسريع طرد بعض المهاجرين غير النظاميين أثناء عملية إصدار تصاريح الإقامة للمهاجرين الذي يرغبون في العمل ضمن القطاعات التي تعاني من نقص الأيدي العاملة في فرنسا.
وعندما شكّك عضو حزب “فرنسا الأبية” اليساري المتطرف “كارلوس مارتينز بيلونجو” في نهج الحكومة الفرنسية تجاه المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر خلال محاولتهم العبور إلى البلاد وغيرها من الدول الأوروبية، هتف “غريغوار دي فورنا” النائب البرلماني اليميني المتطرف “يجب أن يعودوا إلى أفريقيا!”.
وبعد يوم واحد فقط من الإعلان عن لوائح الهجرة الجديدة، احتدم نقاشٌ ساخن حول مخاوف ومستقبل الهجرة في فرنسا، في وقت تتصاعد المخاوف من ظهور الكثير من الخطابات العنصرية كالمثال السابق بسبب اقتراح السياسات الجديدة.
ومع الاستعداد لدورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 2024، تواجه العديد من الصناعات في فرنسا نقصا في الأيدي العاملة مثل البناء والضيافة والزراعة والتي تعتمد بشكل كبير على استغلال الأيدي العاملة الأجنبية.
وبالنظر إلى هذه المخاوف، قالت منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام إن القانون الجديد المقترح قد لا يساعد العمال الذين يواجهون سوء المعاملة في الصناعات المذكورة أعلاه.
واستُلهمت فكرة تصريح الإقامة “métiers en stress” من التعميم الرسمي لعام 2021 الذي سمح للمهاجرين الذين عملوا في فرنسا لعدة أشهر بالحصول على تصريح إقامة.
وأبرزت إمباكت أن إجراءات الحصول على هذه التصريح قد تستغرق شهورًا وأحيانًا سنوات بسبب معالجة بيانات العمال المهاجرين بشكل فردي، مما وضع الآلاف منهم في مأزق، وبالإضافة إلى مدد الانتظار الطويلة، فإن مدة تصريح الإقامة محددة بمدة عقد العمل.
ومع اقتراح تصريح إقامة “يعتمد على المهارات المطلوبة”، يتمكن العامل غير المسجل أن يطلب وضعًا قانونيًا “دون المرور بصاحب العمل” والذي قد يكون في مصلحته إبقاء العمال غير المسجلين باعتبارهم غير مكفولين بموجب قانون العمل الفرنسي.
وكانت هذه الثغرة تسمح لأصحاب العمل باستغلال العمال غير المسجلين وإجبارهم على العمل في ظروف غير عادلة وبدون أي محاسبة قانونية.
وقالت إمباكت إن المقترح الحكومي لم يحدد ما إذا كان المهاجرون غير النظاميين يحتاجون إلى عقد عمل أو خطاب توظيف، كما هو محدد في منشور 2012، فإذا كان الأمر كذلك، فإن السماح للمهاجرين بتقديم طلب للحصول على تصريح “دون المرور بصاحب العمل” يبدو أمرًا غير منطقي.
وعقب “روبرت أولدز” المدير التنفيذي لمؤسسة إمباكت بأنه “في حين أن الاقتراح الجديد قد يخفف من الصعوبات التي يواجهها العمال المهاجرون في فرنسا ويحارب الانتهاكات والتناقضات ضد المهاجرين، إلا أن إجراءات الهجرة الجديدة تبدو شكلية ومصممة لتحقيق مكاسب سياسية.”
وأخبر “غينيا أمادو باري”، الموظف في موقع بناء في باريس، باحثين من إمباكت أنه على الرغم من أن مشروع القانون المقترح يبدو واعدًا، إلا أن المشكلة تكمن في الانتظار لشهور أو ربما لسنوات من أجل الحصول على إجابة من المحافظة، ما يجعل الأفراد يعانون من انتهاكات مختلفة وظروف عمل غير صحية.
وكان “باري” قد هاجر إلى فرنسا منذ 5 سنوات وعمل في شركات بناء مختلفة بأجر زهيد، مشتكيا من أنه وقع ضحية احتيال لشركتين استغلتا وضعه القانوني الضعيف في البلاد كونه لا يملك أوراقًا قانونية، ما جعله بلا حقوق مضمونة وغير قادر على الإبلاغ عن أي شكل من أشكال سوء إدارة صاحب العمل.
وردًا على موجة الانتقادات الواسعة، قال وزير الداخلية الفرنسي ” جيرالد دارمانين” إن الحكومة الفرنسية تعمل على نظام “الهجرة الانتقائية” أو “النظام المختار” بهدف الحد من الهجرة.
وذكر “دارمانين” لصحيفة “لوموند” في وقت سابق من هذا الأسبوع أنه “يجب علينا الآن أن نكون صارمين مع السيئين ولطفاء مع الملتزمين بالقواعد”. ولم تذكر الحكومة ما إذا كانت القوانين “المختارة” ستطبق على المهاجرين الجدد أو المهاجرين الحاليين غير المسجلين.
وحاولت الحكومة الفرنسية اليمينية الوسطية تنفيذ سياسات الأنظمة القائمة على النقاط كما في أستراليا وكندا، حيث تُحدد هذه الأنظمة أهلية المهاجرين من خلال قدرتهم على تسجيل أعلى عدد من النقاط في نظام تسجيل يشمل مستوى التعليم ومهارات العمل وطلاقة اللغة.
وهذا يعني أن مئات المهاجرين مثل “باري” والذين كانوا يعملون في ظروف قاسية سيظلون يواجهون مستقبلًا غامضًا وغير مؤكدٍ إذ قد يُطردون من البلاد. لذلك عاش هؤلاء العمال على أمل الحصول على أهلية الإقامة فقط ليجردوا من حقوقهم بعد ذلك.
وفي أغسطس/آب المنصرم، سلّطت “إمباكت” الضوء على أمثلة من الظروف القاسية التي يعاني منها العمال المهاجرون في فرنسا والذين عمل بعضهم في شركة (سوراكو) التي كانت تعاني من أزمة إدارية.
وفي حينه قالت إمباكت إنه بسبب هذه الأزمة، لم تحتسب – أو ربما فُقدت – ملايين اليوروهات، ما ترك العمال الذين يعتمدون كليًا على رواتبهم من دون أجر لعدة أشهر متتالية.
وصرح “أولدز” أن “الحكومة الفرنسية تخذل مواطنيها بشأن معالجة سوء المعاملة من قبل أصحاب العمل الجشعين والمتهورين، خاصةً في مجال البناء.”
وأضاف “ما يجرى ليس حادثا منعزلا للأسف، حيث أبلغت مؤسسة إمباكت مؤخرًا عن إساءة معاملة العمال المهاجرين الذين تم توظيفهم بشكل غير قانوني واستغلالهم في بناء مكان إقامة الرياضيين في مواقع الألعاب الأولمبية” المقررة في باريس.
وعليه دعت مؤسسة إمباكت لسياسات حقوق الإنسان الحكومة الفرنسية إلى تحمل مسؤوليتها على الفور وضمان حقوق العمال المهاجرين والتخفيف من ظروف عملهم المالية الصعبة.
وشددت على الحاجة الملحة ليس فقط إلى تطبيق قانون الهجرة الجديد ولكن أيضًا لتعديله ليشمل جميع العمال الأجانب من دون أي انتقائية لضمان رفاهية جميع العمال المهاجرين في البلاد وهو ما سيكفل أنهم لن ينتظروا انتقائهم وفقًا لنتائج أهليتهم.