عاد المغرب الى واجهة الجدل السياسي في إسبانيا، إذ بعد المواجهات حول ملفات اجتماعية وترابية مثل الصحراء، شكّلت صفقة الولايات المتحدة بمنح المغرب صواريخ “هيمارس” المتطورة، مصدر توتر جديدا انخرط فيه رئيس الحكومة الأسبق خوسي ماريا أثنار.
وهكذا، فقد كان البرلمان الإسباني الأربعاء الماضي مسرحا لمواجهات عنيفة بين الحكومة والمعارضة حول تطورات نزاع الصحراء، وكذلك حول سبتة ومليلية والهجرة ضمن قضايا أخرى.
وتزامن هذا النقاش مع قرار البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية، المصادقة على بيع المغرب صواريخ “هيمارس” المتطورة، وهي الصواريخ التي منحتها واشنطن لأوكرانيا لمواجهة روسيا في الحرب الدائرة بينهما.
وبمجرد الإعلان عن هذه الصفقة العسكرية، بدأت التحليلات في مختلف وسائل الإعلام، ومنها كيف يمكن لإسبانيا مواجهة هذه الصواريخ التي تجعل الأندلس في مرماها إذا اندلعت حرب مع المغرب، كما ذهبت إلى ذلك جريدة إسبانيول في تقرير مفصل لها الخميس الماضي.
وتعليقا على هذه الصفقة للمشاركة في الجدل السياسي وإعطائها بعدا أكبر، قال رئيس الحكومة الأسبق خوسي ماريا أثنار نهاية الأسبوع، في تصريح نقلته وكالة “أوروبا برس” إن هذا الاتفاق العسكري بين المغرب والولايات المتحدة يبرز مدى فقدان إسبانيا خلال حكومة بيدرو سانشيز، التأثير لدى الولايات المتحدة بحكم الوضع “غير المنظم” الذي تعيشه إسبانيا سياسيا، وإن كان قد ربطه كذلك بعدم استقرار الأوضاع في الاتحاد الأوروبي بسبب البريكسيت، والحرب الروسية- الأوكرانية وملفات شائكة أخرى داخليا مثل ملف انفصال كتالونيا. واستطرد في شرح التحديات الرئيسية التي تواجهها إسبانيا، جاعلا المغرب واحدة منها.
ويأتي هذا التوجس من الفكرة التي يؤمن بها الإسبان حكومة وشعبا، وتروج لها مراكز التفكير الاستراتيجي، أن الحرب الوحيدة التي يمكن أن تشهدها إسبانيا قد تكون في الغالب مع المغرب.
ولا يأتي تركيز هذا السياسي اليميني المحافظ على المغرب في إطار الجدل السياسي فقط، بل ضمن رؤيته للمغرب عسكريا.
وعندما كان رئيسا للحكومة ما بين 1996-2004، تدخل لدى الولايات المتحدة للحيلولة دون بيعها عتادا عسكريا متطورا للمغرب.
في الوقت نفسه، كان أثنار وراء الحل العسكري لأزمة جزيرة “ثورة” صيف 2002 عندما أرسل فرقا عسكرية لاحتجاز عناصر من البحرية المغربية.
ويضاف إلى هذا، تبنّيه ضمن عقيدة الجيش سنة 2002 نظرية “الحرب الاستباقية” للدفاع عن إسبانيا التي تخوّل بدء الهجوم على أي مصدر خطر، وكان يقصد المغرب.
وقام سلفه في رئاسة الحكومة خوسي لويس رودريغيز سابتيرو، بإلغاء “الحرب الاستباقية” من عقيدة المؤسسة العسكرية سنة 2004.
ورغم الجدل السياسي، لا يبدي الجيش الإسباني قلقا كبيرا بشأن صفقة “هيمارس” لأسباب متعددة.
أولا، عدم مصادقة الكونغرس الأمريكي على الصفقة، علما أنه يرفض بعض الصفقات كما حدث مع المغرب سنة 2020 بعدم المصادقة على طائرات مسيّرة متطورة.
كعاملٍ ثان، إدراك المؤسسة العسكرية الإسبانية أن البنتاغون يضع شروطا على أي صفقة للمغرب، حيث لا يتم بموجبها استعمال العتاد العسكري الأمريكي للهجوم على دولة عضو في الحلف الأطلسي.
وثالثا، وهو الأساسي، تأتي هذه الصفقة لخلق توازن بين المغرب والجزائر، هذه الأخيرة التي لديها منذ سنوات صواريخ تضاهي “هيمارس” ولكن روسية الصنع.
وصادقت وزارة الخارجية الأمريكية ثم البنتاغون على صفقة “هيمارس” للرباط في إطار وقف رهان المؤسسة العسكرية المغربية على العتاد الحربي التركي والصيني أساسا، غير أنه يجب انتظار مصادقة الكونغرس على الصفقة، علما أنه عارض أو أدخل شروطا كثيرة على صفقات سابقة.