رئيسيشؤون دولية

سياسة ترامب الدوائية تهدد وصول الأدوية المبتكرة في أوروبا

أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته لإعادة تفعيل مبدأ “الدولة الأكثر تفضيلاً” في تسعير الأدوية، جدلاً واسعًا في الأوساط الصحية والصناعية الأوروبية، وسط تحذيرات من أن الخطوة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتأخر وصول الأدوية الجديدة إلى الأسواق الأوروبية، بل وحرمان بعض المرضى من علاجات منقذة للحياة.

وتنص الخطة التي أعلنها ترامب أواخر يوليو/تموز على إلزام شركات الأدوية بمواءمة أسعار الأدوية ذات العلامات التجارية في الولايات المتحدة مع أدنى سعر معروض في الدول المتقدمة. وفي حال رفض الشركات، توعد ترامب باستخدام “كل ما في جعبتنا من أدوات لحماية العائلات الأمريكية من ممارسات التسعير التعسفية”.

هذه هي المحاولة الثانية لتطبيق المبدأ بعد أن أُجهضت المحاولة الأولى عام 2020 بقرار قضائي. إلا أن المرة الحالية تتسم بجدية أكبر، مع إرسال البيت الأبيض تعليمات مباشرة للشركات الدوائية بشأن خطوات مطابقة الأسعار.

قلق أوروبي متصاعد

بحسب خبراء الصحة العامة، فإن ربط الأسعار الأمريكية بأرخص الأسعار في الدول الأخرى سيترك “تأثيرات متتالية كبيرة” على الأسواق الأوروبية. وقال هيلموت براند، أستاذ الصحة العامة بجامعة ماستريخت، إن الشركات قد تضطر إلى رفع أسعارها في أوروبا أو تأجيل إطلاق الأدوية لتجنب خفض أسعارها في السوق الأمريكي، وهو ما يُعرف بـ”الأثر الجانبي للتسعير المرجعي الخارجي”.

هذا القلق ينعكس بوضوح في مواقف جمعيات الأدوية الأوروبية، التي تخشى أن تتضرر الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص، خصوصًا تلك التي تعمل على تطوير أدوية نادرة لعلاج أمراض بلا بدائل علاجية.

تهديد مباشر للمرضى

أوضح ألكسندر ناتز، رئيس رابطة رواد الأعمال في التكنولوجيا الحيوية “يوكوب”، أن شركات دواء أمريكية كانت تخطط لإطلاق منتجاتها في ألمانيا أولًا، لكنها لم تعد واثقة من ذلك بسبب سياسة ترامب. وأضاف أن “تأخر إطلاق الأدوية يعني نتائج أسوأ للمرضى الأوروبيين، ويهدد حقوقهم في الحصول على أدوية مبتكرة”.

كما حذر خبراء من أن رفع متوسط الأسعار في الأسواق الكبيرة قد يؤدي إلى استبعاد الدول الأصغر أو الأقل ثراءً، ما يعمق فجوة الوصول بين أوروبا الغربية والشرقية.

تعقيدات في حساب الأسعار

رغم المخاوف، يرى محللون أن تأثير السياسة قد يكون أقل حدّة مما يُعتقد، لأن الكثير يعتمد على آلية الحساب:

إذا استندت على أسعار القائمة (أي الأسعار قبل الخصومات)، فقد تلجأ الشركات إلى رفع أسعارها المعلنة في أوروبا دون تغيير الأسعار الفعلية المدفوعة بعد الخصومات.

أما إذا طُبقت على الأسعار الصافية (بعد الخصومات السرية)، فإن الأمر سيكون أكثر تعقيدًا وربما أقل قابلية للتنفيذ، نظرًا لصعوبة الوصول إلى هذه البيانات السرية.

وبحسب جراهام كوكسون، رئيس “مكتب اقتصاديات الصحة”، فإن هذه السياسة قد تتحول إلى مجرد “خطوة رمزية” تسمح لترامب بالقول إن العالم لم يعد يستغل السوق الأمريكية، من دون إحداث تغيير جوهري.

البعد التجاري والسياسي

يأتي هذا الجدل في ظل توترات تجارية عبر الأطلسي، حيث تحقق واشنطن بموجب المادة 232 فيما إذا كانت واردات الأدوية تهدد الأمن القومي الأمريكي، وهو ما قد يفتح الباب لفرض رسوم جمركية تصل إلى 15% على الأدوية.

هذا الاحتمال يثير قلقًا مضاعفًا، لأن فرض تعريفات على قطاع كان تاريخيًا معفى من الرسوم سيؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد الدولية وزيادة الأسعار عالميًا.

موقف الصناعة الأوروبية

رابطة شركات الأدوية الأوروبية (EFPIA) شددت على أن “من السابق لأوانه فهم تداعيات القرار بالكامل”، لكنها حذرت من أنه قد يؤثر على الوظائف والاستثمارات في البحث والتطوير، فضلاً عن تقليص القدرة على توفير أدوية جديدة للمرضى الأوروبيين.

وطالبت الرابطة الاتحاد الأوروبي بزيادة استثماراته في الأدوية المبتكرة وإعادة التفكير في كيفية تقييم الابتكار، من أجل الحفاظ على جاذبية السوق الأوروبية مقارنة بالولايات المتحدة وآسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى