انتصار لترامب مع تراجع الاتحاد الأوروبي عن الضرائب الرقمية في الميزانية المقبلة

أعلنت المفوضية الأوروبية تراجعها عن خطة فرض ضريبة رقمية على شركات التكنولوجيا الكبرى، في خطوة اعتبرها الكثيرون نصراً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعملاقة التكنولوجيا الأمريكية مثل آبل وميتا. ويأتي هذا التراجع بعد شهرين فقط من اقتراح المفوضية فرض هذه الضريبة كجزء من خطة تمويل ميزانية الاتحاد الأوروبي للفترة من 2028، في ظل مفاوضات تجارية حساسة مع الولايات المتحدة.
تشير وثيقة داخلية تم تداولها مؤخراً إلى أن المفوضية أزالت ضريبة الشركات الرقمية من قائمة الضرائب المقترحة التي تهدف لجلب إيرادات جديدة لميزانية الاتحاد الأوروبي التي تستمر سبع سنوات. وتأتي هذه الخطوة وسط محادثات مكثفة بين كبار المسؤولين في الاتحاد لتحديد مصادر التمويل الجديدة التي ستُعرض رسمياً مع نشر خطة الميزانية المقبلة منتصف الأسبوع.
خلفية الخطة وتأثيرها
طرح الاتحاد الأوروبي في مايو الماضي فرض ضرائب على شركات التكنولوجيا العملاقة كطريقة لسداد ديون الاتحاد التي تراكمت جراء تمويل برامج التعافي من جائحة كوفيد-19. وكان الهدف من هذه الضرائب الرقابية الجديدة، التي استهدفت شركات عملاقة مثل ميتا وأبل وغوغل، هو تحقيق العدالة الضريبية وحماية موارد الاتحاد من خسائر مالية نتيجة انتقال أرباح الشركات إلى ملاذات ضريبية.
لكن هذا الاقتراح أثار توتراً دبلوماسياً مع واشنطن التي اعتبرت الضريبة غير عادلة وتضر بالشركات الأمريكية الكبرى، مما دفع ترامب إلى التهديد بفرض رسوم جمركية انتقامية على بعض الدول الحليفة.
تنازل استراتيجي للمفوضية الأوروبية
يرى محللون أن قرار التراجع عن الضريبة الرقمية لا يعني تراجع الاتحاد الأوروبي عن هدفه في تعزيز الموارد المالية، بل هو محاولة لتفادي تفاقم الصراع التجاري مع الولايات المتحدة قبل إنهاء المفاوضات حول صفقة تجارية واسعة النطاق. ويأمل الاتحاد في كسب تنازلات تجارية من واشنطن مقابل التنازل عن ضريبة الشركات الرقمية.
بدلاً من ذلك، تركز المفوضية على اقتراح ثلاث ضرائب بديلة تتعلق بالنفايات الكهربائية ومنتجات التبغ والشركات الكبرى ذات حجم مبيعات يزيد على 50 مليون يورو. من المتوقع أن تسهم هذه الضرائب في جلب إيرادات سنوية تتراوح بين 25 و30 مليار يورو، والتي ستُستخدم لتغطية الديون المشتركة للاتحاد الأوروبي.
معارضة من بعض الدول الأعضاء
تواجه هذه الاقتراحات تحديات داخلية، خاصة فيما يتعلق بالضرائب على منتجات التبغ والسجائر الإلكترونية التي لا تزال تفرضها كل دولة على حدة. أبدت دول مثل إيطاليا واليونان ورومانيا معارضة واضحة لهذه الضريبة، بينما اعتبرت السويد أن تحويل جزء من إيراداتها الوطنية إلى ميزانية الاتحاد “غير مقبول”.
كما أن فكرة فرض ضريبة على النفايات الكهربائية الجديدة، كجزء من الجهود البيئية للاتحاد، تلقى تأييداً وسط المعارضة في بعض الدول التي تقلق من تأثير ذلك على الصناعات المحلية.
ضرائب الكربون وتحديات أخرى
سيتضمن الاقتراح كذلك التأكيد على فرض ضريبة حدودية على الكربون، والتي تحظى بشعبية بين العديد من الدول، إضافة إلى حصة من إيرادات نظام تداول الانبعاثات (ETS) الذي يستخدم للحد من التلوث. ولكن هذه الأفكار تثير حساسية بين دول أوروبا الشرقية التي تعتبر نظام تجارة الانبعاثات عبئاً اقتصادياً عليها.
وقد قدمت المفوضية تنازلات من خلال اقتراح تخصيص جزء ضئيل من إيرادات نظام تجارة الانبعاثات إلى ميزانية الاتحاد، مع بقاء الجزء الأكبر للحكومات الوطنية. كما تم التراجع عن فكرة توسيع نظام الانبعاثات ليشمل قطاعات مثل البناء والنقل البري، مما يقلل من التأثير المالي المباشر على ميزانية الاتحاد.
مستقبل المفاوضات
يُتوقع أن تبدأ بعد نشر الاقتراح الرسمي مشاورات مطولة بين الدول الأعضاء تستمر لعامين، حيث يجب أن تُقر الضرائب الجديدة بالإجماع. ومن المتوقع أن تكون المفاوضات شاقة، خصوصاً مع وجود مصالح وطنية متباينة وحساسية بشأن السيادة المالية.
تأتي هذه الخطوة في ظل سعي الاتحاد الأوروبي لضمان تمويل مستدام لميزانيته دون إغضاب الولايات المتحدة أو إثارة توترات تجارية جديدة. وفي المقابل، يحقق ترامب وحلفاؤه في واشنطن مكاسب ملموسة بتراجع الاتحاد عن فرض ضرائب تصيب الشركات الأمريكية الكبرى، مما يخفف من الضغوط على قطاع التكنولوجيا الذي يلعب دوراً رئيسياً في الاقتصاد الأمريكي.



