Site icon أوروبا بالعربي

الانتخابات الألبانية في “ضباب التعتيم الإعلامي”: معركة أوروبية تُحسم خلف الأبواب المغلقة

الانتخابات الألبانية

تعيش ألبانيا حالة من الترقب المشوب بالغموض بعد انتهاء التصويت في الانتخابات البرلمانية التي توصف بأنها مفصلية في مسار البلاد نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي. فبعد إغلاق صناديق الاقتراع، ساد صمت غير معتاد في الإعلام المحلي، مع غياب استطلاعات الرأي التقليدية التي عادة ما تعطي مؤشرات أولية عن الفائزين. ومع تضارب المعطيات والامتناع المفاجئ لوسائل الإعلام عن نشر أرقامها، بقي المراقبون والناخبون على حد سواء في انتظار إعلان رسمي قد لا يصدر قبل الثلاثاء.

“صمت إعلامي”… بتواطؤ سياسي؟
رغم إعلان قنوات عدة نيتها إجراء استطلاعات رأي يوم الانتخابات، اختارت وسائل الإعلام الألبانية فجأة الامتناع عن نشر أي نتائج، دون تقديم تفسير مقنع. المحلل السياسي لطفي درويشي رجّح أن يكون هذا القرار نتيجة ضغوط سياسية مباشرة، قائلاً: “ربما مورست ضغوط من الأحزاب لمنع نشر نتائج جزئية قد تؤثر على سلوك المفوضين أو تشكك في نزاهة عملية الفرز”.

في انتخابات شديدة الاستقطاب كالألبانية، يُخشى أن تؤدي نتائج استطلاعات الرأي المبكرة إلى إثارة اتهامات بالتزوير، أو حتى تحريك الشارع، وهو ما تحاول السلطات تجنبه.

اشتراكيون واثقون… وديمقراطيون يقاتلون للبقاء
رغم حجب الأرقام الرسمية، صدرت تقديرات غير رسمية من خارج ألبانيا، مثل قناة كلان كوسوفا وموقع ألبانيان بوست الموالي للحكومة، تتوقع فوز الحزب الاشتراكي بقيادة إدي راما بنسبة 51%، مقابل 38% للحزب الديمقراطي بقيادة سالي بيريشا. وإذا تأكدت هذه النتيجة، فإن راما سيحصل على ولاية رابعة تاريخية، ليصبح أطول من تولى رئاسة الحكومة في ألبانيا منذ أنور خوجا.

في المقابل، يكافح الحزب الديمقراطي من أجل استعادة مكانته بعد سنوات من التراجع، حتى أنه استعان بمستشار أمريكي مثير للجدل هو كريس لاسيفيتا، المعروف بدوره في حملة دونالد ترامب، في محاولة لاستنهاض قاعدته الانتخابية.

التصويت من الخارج… عامل جديد في المعادلة
لأول مرة، سُمح للمواطنين الألبان المقيمين في الخارج بالتصويت، وهو تطور ديمقراطي مهم لكنه أربك توقعات استطلاعات الرأي. من أصل 1.4 مليون ألباني في الشتات، سجل حوالي 245 ألفاً للتصويت، وشارك فعلياً نحو 190 ألفاً. هذا الرقم كفيل بتغيير نتائج مناطق بأكملها، ما يجعل من الصعب الاعتماد على استطلاعات الرأي التقليدية.

إدخال أصوات الشتات أضاف تعقيداً جديداً، خاصة أن عملية فرزها تخضع لمراقبة مشددة من الأحزاب، وهو ما تجلى في المشادات التي وقعت في مركز فرز الأصوات في الملعب الأولمبي بتيرانا بعد وصول صناديق اقتراع من الجالية اليونانية.

معركة الشفافية… تحت الرقابة الدولية
رغم المخاوف، تسعى السلطات الألبانية إلى إظهار العملية الانتخابية بمظهر شفاف قدر الإمكان. تُنقل الصناديق من مراكز الاقتراع إلى مراكز الفرز تحت أعين مراقبي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، حيث يُفرز كل صوت يدوياً.

مع ذلك، تحذر منظمات كـ”مراسلون بلا حدود” من أن الصحفيين في ألبانيا يتعرضون لضغوط متزايدة خلال المواسم الانتخابية، رغم تحسن ترتيب البلاد النسبي في مؤشرات حرية الصحافة مقارنة بجيرانها مثل اليونان وكوسوفو.

بين معركة الداخل وضغوط الخارج
تكتسب هذه الانتخابات بُعداً خاصاً لارتباطها بمسار ألبانيا نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد يراقب عن كثب نزاهة الانتخابات واستقلالية مؤسسات الدولة، في وقت يُتهم فيه راما بالميل إلى إحكام قبضته على الإعلام والقضاء.

لذلك، فإن نتيجة هذه الانتخابات لا تعني فقط تحديد الحزب الحاكم، بل تمثل اختباراً لمدى استعداد ألبانيا لتبني المعايير الأوروبية في الحوكمة والشفافية.

في ظل التعتيم الإعلامي والمناخ السياسي المشحون، يبدو أن ألبانيا تخوض واحدة من أكثر معاركها الانتخابية تعقيداً منذ التحول الديمقراطي. ومع بقاء الجميع في حالة ترقب لنتائج رسمية قد تُعلن خلال 48 ساعة، تتجلى حقيقة أن معركة ألبانيا للاندماج الأوروبي لا تُخاض فقط في بروكسل، بل أيضاً في مراكز الفرز داخل تيرانا.

Exit mobile version