الاتحاد الأوروبي يقدم قائمة معدلة من عروضه التجارية لإدارة ترامب لتجنب تصاعد الحرب التجارية

في خطوة تمهد لحل التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أصدرت المفوضية الأوروبية وثيقة شروط معدلة تتضمن تنازلات جديدة للرد على مطالب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إطار جهود لتجنب تصاعد حرب تجارية عبر الأطلسي قد تؤدي إلى فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الأوروبية.
وأوضح مسؤولون دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي، خلال تصريحات خاصة لصحيفة “بوليتيكو”، أن الوثيقة الجديدة التي تضم 11 صفحة مقسمة إلى 7 فصول، تغطي مجموعة واسعة من القضايا التجارية الحساسة. وتشمل هذه القضايا التعريفات الجمركية، والحواجز غير الجمركية، فضلاً عن الجوانب المتعلقة بالأمن الاقتصادي والاستثمارات بين الجانبين.
تأتي هذه الخطوة الأوروبية رداً مباشراً على رسالة مبادرة أرسلتها إدارة ترامب الأسبوع الماضي إلى بروكسل، تضمنت مبادئ أولية للمفاوضات التجارية المستقبلية، ما يمثل أول مشاركة ملموسة من واشنطن في هذا الملف بعد شهور من التوتر والتهديدات بالرسوم الجمركية المتبادلة.
تعزيز التعاون في القطاعات الاستراتيجية
وفقاً للمصادر الأوروبية، تسعى بروكسل من خلال هذه القائمة المعدلة إلى فتح آفاق جديدة للتعاون التجاري والاستثماري، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية التي تمثل محاور أساسية للنقاش بين الطرفين. من بين هذه القطاعات: الطاقة، شبكات الاتصالات المتقدمة (الجيل الخامس والسادس)، الصلب، الألومنيوم، أشباه الموصلات، وصناعة السيارات.
وأكدت المفوضية الأوروبية أن هذه المجالات لا تمثل فقط مصالح اقتصادية حيوية للاتحاد، بل هي أيضاً نقاط توتر شديدة في العلاقات مع واشنطن، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على بعض المنتجات الأوروبية في هذه القطاعات تحت ذريعة حماية الأمن القومي.
قال ماروش شيفتشوفيتش، المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع وزراء التجارة في بروكسل الخميس الماضي: “هناك مجالات نحن مقتنعون تماماً بأنه يمكن تحقيق نتائج أفضل فيها إذا تعاونّا بشكل مشترك كحلفاء”. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي مهتم بالتعاون لمعالجة مشكلة فائض الإنتاج في قطاع الصلب وتقليل الاعتماد على المعادن الحيوية، فضلاً عن تعميق الشراكة في التقنيات الحساسة مثل الذكاء الاصطناعي ورقائق الحوسبة.
توقيت حرج قبل انتهاء الهدنة الجمركية
تأتي هذه المناقشات في وقت حرج، حيث تنتهي الهدنة المؤقتة بشأن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب في الثاني من أبريل/نيسان المقبل، وذلك في أوائل يوليو/تموز، ما يعني أن الوقت ينفد لإيجاد حل تفاوضي قبل تصعيد الرسوم إلى مستويات أعلى.
وتفرض الولايات المتحدة حالياً رسوماً بنسبة 10% على الصلب والألومنيوم المستوردين من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى رسوم تصل إلى 25% على السيارات الأوروبية، وهي ضرائب تهدد بزيادة إلى 20% على مختلف المنتجات الأوروبية في حال فشل التوصل إلى اتفاق.
وفي سياق متصل، أكد شيفتشوفيتش أنه أجرى مكالمة وصفها بالبناءة مع وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك الأسبوع الماضي، كما يخطط لعقد اجتماع مع الممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير خلال اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس المقرر أوائل يونيو/حزيران، في محاولة لتعزيز الحوار وبلورة اتفاق مرضٍ للطرفين.
الخطوات القادمة وحالة المفاوضات
على الرغم من أن المسؤولين في المفوضية الأوروبية رفضوا التعليق الرسمي على تفاصيل الوثيقة أو الرسالة التي أرسلتها واشنطن الأسبوع الماضي، إلا أنهم أشاروا إلى أن الاتصالات الفنية والسياسية بين الجانبين ما تزال مستمرة بشكل مكثف.
ويشير مراقبون إلى أن ملف الرسوم الجمركية هو أحد أبرز الملفات الخلافية في العلاقات الأوروبية الأمريكية، خاصةً في ظل توجه إدارة ترامب إلى حماية الصناعات المحلية الأمريكية عبر فرض قيود على الواردات، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف موازن يهدف للحفاظ على حرية التجارة من جهة، وحماية مصالح اقتصاده الداخلي من جهة أخرى.
وبينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى استثمار نقاط القوة في القطاعات الصناعية والتقنية، مثل أشباه الموصلات وشبكات الاتصالات، تسعى الولايات المتحدة بدورها إلى دعم صناعاتها التقليدية، خصوصاً الصلب والسيارات، مما يجعل المفاوضات معقدة ومليئة بالتحديات.
ويُعد تعديل الاتحاد الأوروبي لقائمة عروضه التجارية خطوة استراتيجية مهمة في إطار محاولات تخفيف حدة التوترات التجارية مع إدارة ترامب، التي هددت بفرض مزيد من الرسوم الجمركية والتي قد تؤدي إلى تصعيد نزاع تجاري يمكن أن يؤثر على الاقتصاد العالمي.
في ضوء هذه التطورات، يراقب العالم بحذر المفاوضات القادمة بين بروكسل وواشنطن، على أمل أن تسفر عن اتفاق يعيد التوازن ويضمن تعاوناً اقتصادياً أقوى بين الطرفين، مع الحفاظ على مصالح الصناعات الحيوية التي تمثل ركائز اقتصادية لكلا الجانبين.



