الاتحاد الأوروبي لأفريقيا: لا مساعدات بلا شروط

في تحوّل جذري يثير الجدل، تتجه المفوضية الأوروبية نحو إعادة صياغة سياستها التنموية عبر ربط المساعدات الخارجية بشروط تخدم أولوياتها الداخلية، وعلى رأسها قضايا الهجرة والطاقة. وتأتي هذه الخطوة في إطار الاستعداد لوضع ميزانية الاتحاد الأوروبي الجديدة متعددة السنوات، والمقرر الكشف عنها في يوليو/تموز المقبل.
وبحسب وثيقة داخلية اطّلع عليها موقع بوليتيكو، تسعى المفوضية الأوروبية إلى فرض شروط جديدة على الأموال المخصصة للدول النامية، خصوصًا في أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط، في مسعى لتعزيز ما تسميه بروكسل بـ”الشراكة المتبادلة” وتحقيق مصالح داخلية أوروبية تتجاوز مجرد أهداف تقليص الفقر.
أولويات داخلية على حساب التنمية
وتوضح الوثيقة أن هذه الشروط ستتضمن، من بين أمور أخرى، التعاون في وقف تدفقات الهجرة غير النظامية، وتوفير احتياجات أوروبا من الطاقة والمواد الخام الحيوية، في ظل الأزمات الجيوسياسية المتصاعدة، خاصة الحرب في أوكرانيا وتوترات أسواق الطاقة العالمية.
وجاء في مذكرة مشتركة صادرة عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ومفوض الميزانية بيوتر سيرافين، أن “هذه الحزم الجديدة ستعزز الارتباط بين العمل الخارجي والأولويات الداخلية للاتحاد، بما في ذلك أمن الطاقة وتوريد الموارد الحيوية”.
ويشير مراقبون إلى أن هذا التحول يعكس رغبة الاتحاد في محاكاة النماذج الأميركية والبريطانية، التي تستخدم المساعدات كأداة ضغط سياسي واقتصادي، ما يشكل انحرافًا واضحًا عن السياسة الأوروبية التقليدية التي ظلت تقدم الدعم التنموي بمعزل عن الأجندات الداخلية.
معارضة من داخل الاتحاد
لكن التوجه الجديد لا يحظى بإجماع داخل الاتحاد. فقد عبّر دبلوماسيون أوروبيون عن قلقهم من أن ربط المساعدات بشروط سياسية قد يقوّض جوهر سياسة التنمية ويشوّه صورة الاتحاد كشريك نزيه للدول الفقيرة.
وقال دبلوماسي أوروبي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: “لا توجد دولة عضو واحدة تدعم هذا النهج علنًا”، مشيرًا إلى أن المباحثات المقبلة ستكون صعبة ومعقّدة.
كما حذرت منظمات غير حكومية من أن هذا التحول قد يؤدي إلى تراجع فعالية المساعدات الأوروبية في محاربة الفقر. وقالت ماريا خوسيه روميرو، من منظمة “يوروداد” المختصة بديون الدول الفقيرة، إن “هذه الاستراتيجية ستقوّض جودة مساعدات التنمية التي يقدمها الاتحاد، وتحوّلها من حق إنساني إلى أداة مساومة سياسية”.
نقد مقابل إصلاحات
الخطة التي يجري إعدادها تقوم على أساس بناء “شراكات استراتيجية” مع الدول المستفيدة، بحيث تُربط المساعدات بالعلاقات الاقتصادية والتجارية، وربما أيضًا بالتوجهات السياسية، بحسب ما نقلته بوليتيكو عن مصادر مطلعة.
وتسعى بروكسل إلى إنشاء صندوق أوروبي عالمي موحد، يُدمج فيه عدد من البرامج القائمة حاليًا مثل برامج الهجرة والاستثمار الأجنبي ومنع النزاعات، على أن يُقسّم هذا الصندوق جغرافيًا لتوزيع المساعدات حسب المناطق والأولويات.
لكن في المقابل، يتخوّف منتقدو الخطة من أن تتحوّل هذه الشراكات إلى أدوات ضغط أشبه بتلك التي تستخدمها الصين أو الولايات المتحدة، حيث تُستخدم المساعدات لانتزاع تنازلات سياسية أو اقتصادية من الدول المتلقية.
التوازن بين السياسة والإنسانية
رغم الجدل، تؤكد المفوضية الأوروبية أن المساعدات الإنسانية الأساسية – مثل الغذاء والمياه والصحة – ستبقى خارج إطار الشروط الجديدة. وقال مسؤول أوروبي إن “المساعدات الإنسانية ستظل قائمة على أساس الاحتياجات فقط، ولن تشملها هذه التغييرات الهيكلية”.
ويحاول مسؤولو بروكسل الترويج للنهج الجديد باعتباره “شراكة ذات منفعة متبادلة”، وليست أداة ابتزاز سياسي. لكن خبراء يشيرون إلى أن التوقيت والسياق – في ظل تراجع ثقة العديد من الدول النامية في نوايا الغرب – قد يصعّبان مهمة تسويق الخطة.
وقال راسموس نوردكفيست، عضو البرلمان الأوروبي عن الدنمارك، إن “هذه ليست سياسة تنموية حقيقية، بل محاولة لإرضاء الناخبين الأوروبيين على حساب الفقراء في الجنوب”.



