Site icon أوروبا بالعربي

الاقتصاد الألماني يترنّح نحو نمو صفري وسط ضغوط الرسوم الجمركية التي يقودها ترامب

المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين

يواجه الاقتصاد الألماني، الأكبر في أوروبا، خطر التوقف الكامل عن النمو هذا العام، مدفوعًا بشكل رئيسي بما وصفه المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين بـ”سياسات الحماية العدائية” للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي تقرير صدر اليوم الأربعاء، قال المستشارون الحكوميون إن الزيادات الحادة في الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات، إلى جانب النهج التجاري غير المتوقع لإدارة ترامب، تُثقل كاهل الاقتصاد الألماني المعتمد على التصدير.

وحذّر المجلس، الذي يُعد من أبرز الهيئات الاستشارية المستقلة للحكومة الألمانية، من أن البلاد “لا تزال في مرحلة واضحة من الضعف” الاقتصادي، مشيرًا إلى أنها لم تجنِ سوى القليل من الزخم من التعافي الاقتصادي العالمي خلال الأشهر الماضية. وأكد الخبراء أن الركود الحالي لن ينتهي قريبًا ما لم تتحقق انفراجات ملموسة في السياسة التجارية الدولية، خاصة في العلاقة مع الولايات المتحدة.

تهديدات مستمرة رغم هدنة مؤقتة
ورغم أن إدارة ترامب علّقت مؤقتًا بعض من أكثر الإجراءات الجمركية ضررًا على صادرات الاتحاد الأوروبي حتى يوليو المقبل، إلا أن المجلس شدد على أن أي تصعيد إضافي في النزاع التجاري سيشكل “خطرًا كبيرًا” على آفاق الاقتصاد الألماني. وقال التقرير: “حتى التهديد المستمر بفرض رسوم جديدة يخلق بيئة من انعدام اليقين، تُعيق التخطيط الاستثماري وتضر بثقة الأسواق.”

ويبدو أن الأثر الأوسع لهذه السياسات يتجاوز مجرد قطاع الصادرات، إذ إن الشركات الألمانية، التي ترتبط بسلاسل توريد عالمية، تجد نفسها محاصرة بين تكاليف الإنتاج المتزايدة وانكماش الطلب العالمي.

سياسة اقتصادية محلية تتصدى للتحديات
ردًا على هذه التحديات، أعلنت الحكومة الألمانية الجديدة، بقيادة المستشار فريدريش ميرز عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط)، عن خطط ضخمة لتحفيز الاقتصاد المحلي. وتشمل الخطط استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية والدفاع، في مسعى لإحياء الاستهلاك الداخلي وتعويض الركود في التصدير.

ويأمل صناع القرار أن تساهم هذه الإنفاقات في خلق فرص عمل وتنشيط الطلب المحلي، لكن المجلس الاقتصادي يظل متحفظًا، متوقعًا ألا تؤدي هذه الإجراءات سوى إلى “انتعاش بطيء” في استهلاك الأسر، وبالتالي نمو محدود لا يتجاوز 1% في عام 2026.

ثلاث سنوات من الركود تلوح في الأفق
بحسب التوقعات الحالية، من المرجّح أن لا تحقق ألمانيا أي نمو فعلي خلال ثلاث سنوات متتالية، في سابقة تاريخية منذ توحيد البلاد. وتتوافق تقديرات المجلس الاقتصادي مع توقعات المفوضية الأوروبية التي حذرت في تقريرها الأخير من دخول ألمانيا في “مرحلة ركود زمني ممتد”، ما لم تُعالج جذور الأزمة المرتبطة بالعوامل الخارجية.

ويرى محللون أن نقطة الضعف الأساسية في النموذج الاقتصادي الألماني تكمن في اعتماده المفرط على التصدير، وهو ما يجعله عرضة للتقلبات الجيوسياسية والتجارية. كما أن سياسات تقشف سابقة تركت أثرًا طويل الأمد على القدرة الشرائية للأسر، وهو ما يصعّب مهمة إنعاش الاستهلاك الداخلي كمحرك بديل للنمو.

تداعيات أوروبية أوسع
التباطؤ في الاقتصاد الألماني ينعكس تلقائيًا على منطقة اليورو ككل، نظرًا للدور المحوري لألمانيا في سلاسل التوريد الأوروبية. ومن شأن استمرار الركود في برلين أن يضع ضغوطًا إضافية على البنك المركزي الأوروبي، الذي يواجه بالفعل معضلة ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو في آنٍ واحد.

نظرة مستقبلية قاتمة… وتحديات هيكلية
في ظل هذه الظروف، تتزايد المطالب داخل الأوساط الاقتصادية لإعادة النظر في النموذج الاقتصادي الألماني برمّته، وتنويع مصادر النمو بعيدًا عن التصدير، عبر دعم الابتكار الرقمي، وتمكين الاستثمار في الطاقة النظيفة، وتحفيز الطلب المحلي.

ومع غياب بوادر انفراجة في العلاقات التجارية مع واشنطن، وتقلص هوامش المناورة في السياسة النقدية، يبدو أن ألمانيا تدخل مرحلة اقتصادية حساسة تتطلب قرارات سياسية جريئة وإعادة تموضع استراتيجية على الصعيدين المحلي والدولي.

Exit mobile version