سياسات ترامب تعرقل سفر رجال الأعمال الأوروبيين إلى الولايات المتحدة

تشهد الولايات المتحدة تراجعًا حادًا في حجوزات السفر لأغراض العمل من دول أوروبا وشركائها التجاريين الرئيسيين، في تطور يعكس أثر السياسات الحمائية والعزلة السياسية التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتحديدًا قراراته الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية والتصريحات العدائية تجاه حلفاء واشنطن التقليديين.
بحسب بيانات جديدة كشفت عنها منصة HotelHub البريطانية المتخصصة في حجوزات السفر التجاري، تراجعت حجوزات رجال الأعمال الأوروبيين إلى الولايات المتحدة بنسبة 26% في أبريل/نيسان 2025 مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي. وشمل هذا الانخفاض الحاد دولًا رئيسية مثل ألمانيا (30.4%)، فرنسا (22.4%)، والمملكة المتحدة (14.4%).
ويأتي هذا التراجع في وقت تتزايد فيه المخاوف الأوروبية من مستقبل العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي، مع استمرار ترامب في نهجه التصادمي، الذي بدأ بسلسلة من الحروب التجارية، وتوسع ليشمل فرض تعريفات جمركية شاملة، والتهديد بفرض قيود جديدة على دخول المسافرين من دول حليفة.
سمعة أميركا على المحك
يرى بول ريموند، كبير مسؤولي الشؤون التجارية في “HotelHub”، أن هناك قدرًا كبيرًا من عدم اليقين في العلاقة التقليدية بين أوروبا والولايات المتحدة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وأوضح أن “التعريفات الجمركية الشاملة خلقت شهية لدى العديد من الشركات للبحث عن أسواق بديلة أكثر استقرارًا”.
إلى جانب تراجع الحجوزات من أوروبا، أظهرت البيانات انخفاضًا في السفر التجاري من كندا والمكسيك، أقرب شركاء أميركا التجاريين، بنسبة 18.1% و18.8% على التوالي، نتيجة السياسات الجمركية التي طالتهم أيضًا، والتهديدات التي أطلقها ترامب، بما في ذلك تهديد “استقلال كندا”.
البحث عن بدائل
وبينما تتراجع الولايات المتحدة كمقصد لرجال الأعمال الأوروبيين، بدأت شركات القارة العجوز في إعادة توجيه رحلاتها إلى وجهات جديدة. وتصدرت النرويج قائمة البدائل بزيادة في الحجوزات بلغت 23.3%، تلتها تركيا (19.3%)، ثم أستراليا (18.9%)، واليابان (10.1%)، والهند (7.2%).
هذه التحولات تشير إلى تحول استراتيجي في أولويات الشركات، إذ باتت تنظر إلى الولايات المتحدة كبيئة أعمال محفوفة بالمخاطر السياسية، ما يدفعها للبحث عن أسواق أكثر استقرارًا وثقة، خاصة في ظل الرسائل المتضاربة التي تصدرها إدارة ترامب بشأن التجارة والسياسات الحدودية.
تأثيرات اقتصادية أوسع
الانخفاض في سفر رجال الأعمال له تداعيات مباشرة على الاقتصاد الأميركي، خصوصًا في قطاع السياحة والسفر الذي يعتمد إلى حد كبير على الزوار الأجانب. فقد قدّر مجلس السفر والسياحة العالمي خسارة بنحو 12.5 مليار دولار في إنفاق الزوار الدوليين في الولايات المتحدة هذا العام، نتيجة لتراجع الجاذبية السياحية وسوء المعاملة المبلغ عنها للمسافرين الأجانب.
وبحسب المجلس، فإن الإنفاق الدولي على السياحة تراجع بنسبة 6.9% مقارنة بعام 2024، ليبلغ نحو 168.7 مليار دولار فقط، مقارنة بـ181 مليار دولار في العام الماضي.
وأكدت شركات سياحة كبرى مثل Airbnb وBooking.com تراجع شعبية الولايات المتحدة كوجهة سياحية دولية. وقالت إيلي ميرتز، المديرة المالية لشركة Airbnb، إن هناك “انخفاضًا ملحوظًا في شعبية السفر إلى الولايات المتحدة مقارنة بالعام الماضي”، مشيرة إلى أن السفر أصبح “في الغالب محليًا”.
شلل في الديناميكية العابرة للأطلسي
يوجه هذا التراجع في سفر رجال الأعمال ضربة قوية للتعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين. فالتنقل بين الأسواق عنصر أساسي في التجارة والاستثمار والتفاوض، وغيابه يضعف فرص عقد الشراكات وتوسيع الأعمال، ويؤثر في نهاية المطاف على قدرة واشنطن على الحفاظ على دورها القيادي في الاقتصاد العالمي.
وبينما تراهن إدارة ترامب على الانعزال الاقتصادي والسيادة التجارية، فإن الشركات الأوروبية تبدو مستعدة لمغادرة الساحة الأميركية، بحثًا عن استقرار لا توفره الإدارة الحالية.