المحكمة العليا البريطانية توقف تسليم جزر تشاغوس لموريشيوس

أصدرت المحكمة العليا البريطانية أمرًا قضائيًا مؤقتًا اليوم الخميس يوقف عملية تسليم أرخبيل جزر تشاغوس من السيادة البريطانية إلى حكومة موريشيوس، مما يضع عقبة كبيرة أمام خطة رئيس الوزراء كير ستارمر التي كانت تهدف إلى إبرام اتفاق إقليمي بشأن مستقبل هذه الجزر في المحيط الهندي.
وكان من المقرر أن يشارك ستارمر في حفل توقيع افتراضي يوم الخميس، يُختتم به أشهر من المفاوضات بين لندن وبورت لويس، بشأن نقل السيادة على هذه الجزر التي تحوي قاعدة عسكرية استراتيجية مشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في دييغو غارسيا، وهي واحدة من آخر المستعمرات البريطانية السابقة.
لكن في خطوة مفاجئة، أصدر قاضي المحكمة العليا جوليان نيكولاس جوس في تمام الساعة 2:25 صباح يوم الخميس أمرًا قضائيًا منح بموجبه “إغاثة مؤقتة” لمتقدم بالدعوى يُدعى بيرتريس بومبي، وهو شخص ولد في دييغو غارسيا ويعارض تسليم الجزر إلى موريشيوس. ويمنع هذا الأمر الحكومة البريطانية من اتخاذ أي خطوة ملزمة قانونًا تُكمل بموجبها نقل السيادة أو الالتزام بشروط الاتفاق.
وجاء في نص الأمر القضائي: “لا يجوز للمدعى عليه اتخاذ أي خطوة حاسمة أو ملزمة قانونًا لإتمام مفاوضاته بشأن النقل المحتمل لإقليم المحيط الهندي البريطاني، المعروف أيضًا باسم أرخبيل تشاغوس، إلى حكومة أجنبية أو إلزام نفسه بالشروط الخاصة بأي نقل من هذا القبيل”. كما أوضح الأمر أنه “لا يجوز للمدعى عليه التصرف في الأراضي كلياً أو جزئياً، ويتعين عليه الحفاظ على اختصاص المملكة المتحدة على إقليم المحيط الهندي البريطاني حتى صدور أمر آخر”.
وتأتي هذه الخطوة القانونية قبل جلسة استماع مقررة في المحكمة العليا في تمام الساعة 10:30 صباح الخميس بتوقيت لندن، حيث من المتوقع أن يتم بحث الأمر القضائي المؤقت بشكل موسع.
وردًا على الأمر القضائي، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية صباح الخميس: “لا نعلق على القضايا القانونية الجارية. هذه الصفقة هي القرار الصائب لحماية الشعب البريطاني وأمننا القومي”.
ويُذكر أن ملف جزر تشاغوس ظل محل جدل طويل الأمد على الصعيدين السياسي والقانوني، إذ كانت المملكة المتحدة قد فصلت الأرخبيل عن موريشيوس في ستينيات القرن الماضي وأجبرت سكانه الأصليين على النزوح قسرًا، في خطوة أثارت انتقادات دولية وحقوقية واسعة. وظلت الجزر تخضع للسيادة البريطانية رغم مطالبة موريشيوس المستمرة باستعادتها.
ويحتوي الأرخبيل على قاعدة دييغو غارسيا العسكرية التي تعتبر حيوية للعمليات العسكرية الأمريكية والبريطانية في منطقة المحيط الهندي، الأمر الذي يزيد من تعقيد الموقف السياسي حول مستقبل الجزر.
وكانت المحادثات الأخيرة بين بريطانيا وموريشيوس تهدف إلى إبرام اتفاق يعترف بالسيادة الموريشيوسية على جزر تشاغوس، مع ضمان استمرار القاعدة العسكرية المشتركة، في محاولة لإنهاء نزاع استمر عقودًا وتحسين العلاقات بين البلدين.
إلا أن الاعتراضات القانونية، مثل تلك التي قدمها بيرتريس بومبي، تشير إلى وجود مقاومة محلية ودولية لهذا الاتفاق، خاصة من قبل الأشخاص الذين يتحدرون من السكان الأصليين أو المهتمين بحقوقهم التاريخية.
ويعد هذا الأمر القضائي ضربة لخطط كير ستارمر التي تسعى لإعادة تشكيل السياسة الخارجية البريطانية وتخفيف الانتقادات حول مسائل حقوق الإنسان والتعامل مع ملف ما بعد الاستعمار.
وتتابع المملكة المتحدة القضية عن كثب، إذ أن أي تأخير في تنفيذ الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى توترات جديدة في العلاقات مع موريشيوس، كما قد يعقد الاستراتيجيات العسكرية والدبلوماسية البريطانية في المنطقة.
ومع ذلك، تؤكد لندن التزامها بالمحافظة على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك استمرار تشغيل القاعدة العسكرية في دييغو غارسيا التي تستخدمها الولايات المتحدة أيضًا لأغراض حيوية.
وفي انتظار قرار المحكمة العليا النهائي، يبقى مستقبل جزر تشاغوس مجهولاً وسط صراع قانوني وسياسي معقد يجمع بين مطالب السيادة الوطنية وحقوق السكان الأصليين والمصالح الاستراتيجية الدولية.