
كشفت تحقيقات أمنية بلجيكية عن عمليات مراقبة وتنصت سرية على مقصورة خاصة تابعة لشركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي في ملعب أندرلخت لكرة القدم، وذلك في إطار تحقيقات أوسع في مزاعم فساد ومحاولات شراء نفوذ سياسي داخل الاتحاد الأوروبي.
وفقًا لمصادر مطلعة، قامت الأجهزة الأمنية البلجيكية بمراقبة مقصورة خاصة استأجرتها هواوي في ملعب كونستانت فاندن ستوك بنادي أندرلخت في جنوب غرب بروكسل، وذلك خلال موسم 2024/2025 الذي شهد مباريات للنادي أمام فرق أوروبية كبرى. كما تم التنصت على محادثات خاصة بأحد كبار مسؤولي الضغط في الشركة حتى داخل سيارته، في خطوة تعكس جدية التحقيقات التي فتحتها السلطات البلجيكية بشأن شبهات الفساد والتلاعب بالبرلمان الأوروبي.
إطار التحقيقات وأسبابها
بدأت القضية تظهر للعلن في مارس 2025، حين كشفت تحقيقات أولية عن تقديم موظفين في هواوي ومديرين في منتدى أوروبا، وهو منظم لمؤتمرات بروكسل، رشاوى وهدايا سفر ورحلات مدفوعة لمجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي، بغرض دعم مصالح الشركة الصينية داخل دوائر صنع القرار الأوروبية.
وقال مسؤول أمني بلجيكي مطلع على التحقيقات إن استئجار المقصورة في ملعب أندرلخت كان جزءًا من خطة أوسع لاعتماد “أساليب غير مباشرة” في التواصل مع المشرعين، بدءًا من دعوة مساعديهم ثم توسيع دائرة الدعوات لتشمل نوابًا من مختلف الأحزاب، بالإضافة إلى موظفين سابقين ومسؤولين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وأضاف المصدر أن هواوي سعت من خلال هذه الاستراتيجية إلى “تجميل” صورتها لدى صناع القرار الأوروبيين، ومحاولة التأثير على التشريعات والسياسات ذات الصلة بالتكنولوجيا والاتصالات، حيث يخشى الاتحاد الأوروبي من الهيمنة الصينية في قطاع الاتصالات.
ردود الأفعال والمواقف الرسمية
أعلن نادي أندرلخت لكرة القدم، في تصريحات صحفية، أن عقد استئجار المقصورة الخاصة مع هواوي سينتهي بنهاية الموسم الحالي ولن يتم تجديده، نافياً تلقيه أي طلب رسمي من السلطات البلجيكية بخصوص التعاون أو المراقبة.
من جهة أخرى، اعترف اثنان من أعضاء البرلمان الأوروبي، هم الاشتراكي المالطي دانييل أتارد والليبرالي البلغاري نيكولا مينشيف، بحضورهما مباريات أندرلخت، إلا أنهما نفيا معرفتهما بأن الدعوات جاءت من شركة هواوي أو أن هناك أي علاقة رسمية بذلك.
وأوضحت السلطات البلجيكية أنها طلبت من البرلمان الأوروبي رفع الحصانة عن أربعة أعضاء على الأقل، من بينهم سياسيون إيطاليون، للسماح باستجوابهم ضمن التحقيقات الجارية، مع التأكيد على أن طلب رفع الحصانة لا يعني بالضرورة توجيه اتهامات رسمية ضدهم.
الحدود الدقيقة بين الضغط السياسي والفساد
تُثير هذه القضية تساؤلات جدية حول مدى نفوذ جماعات الضغط داخل البرلمان الأوروبي، والفرق بين ممارسات الضغط المشروع والرشوة غير القانونية. فبينما يسمح لأعضاء البرلمان بقبول هدايا تبلغ قيمتها حتى 150 يورو بشرط الإعلان عنها، فإن الأرقام التي ظهرت في التحقيقات تشير إلى تجاوز واضح لهذه الحدود.
وقال نيك آيوسا، مدير منظمة الشفافية الدولية في الاتحاد الأوروبي، إن هذه القضية تظهر “أن قواعد الأخلاقيات في البرلمان الأوروبي لا تزال غير فعالة، وأن هناك حاجة ماسة لتعزيز الرقابة وفرض معايير أعلى للشفافية ومنع تضارب المصالح”.
وأضاف آيوسا: “لا يوجد سبب مشروع لتلقي أعضاء البرلمان الأوروبي هدايا ورحلات مدفوعة من جماعات ضغط، خاصة تلك التي تمثل شركات أجنبية كبرى تسعى للتأثير على قرارات سياسية حيوية”.
انعكاسات القضية على العلاقات الأوروبية-الصينية
تأتي هذه التحقيقات في ظل توترات متصاعدة بين الاتحاد الأوروبي والصين، خاصة على خلفية المخاوف الأمنية المتعلقة بشركة هواوي، التي واجهت حظرًا جزئيًا في بعض الدول الأوروبية بسبب مخاوف من التجسس وتهديد البنية التحتية للاتصالات.
ويشير المحللون إلى أن الكشف عن محاولات هواوي لتوظيف وسائل ضغط غير شفافة يعزز من مواقف من يرون في الشركة تهديدًا جيوسياسيًا لا يمكن تجاهله، ما قد يؤدي إلى فرض قيود أشد على أنشطتها في السوق الأوروبية.
خاتمة
تكشف هذه القضية عن هشاشة الآليات الحالية لمراقبة تأثير جماعات الضغط داخل المؤسسات الأوروبية، خاصة عندما يتعلق الأمر بشركات تكنولوجية عملاقة لها نفوذ دولي. وتعكس جهود السلطات البلجيكية الجدية في مواجهة مثل هذه التحديات لضمان نزاهة العملية السياسية الأوروبية.
ومع استمرار التحقيقات، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على حماية مؤسساته من محاولات التأثير غير القانونية، وكيف سيؤثر هذا الملف على العلاقات المستقبلة بين بروكسل وبكين.