دول الاتحاد الأوروبي تقاوم إسبانيا بشأن جعل الكتالونية لغة رسمية

تشهد الساحة الأوروبية توترًا جديدًا بين إسبانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبي حول محاولة مدريد جعل اللغة الكتالونية، إلى جانب اللغات الباسكية والجاليكية، لغات رسمية معترف بها داخل الاتحاد. هذه الخطوة التي ربطها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بمسألة الإنفاق الدفاعي، تواجه مقاومة من سبع عواصم على الأقل، تعبر عن مخاوفها من التكاليف المالية والتداعيات السياسية المحتملة.
الخلفية السياسية
في إطار اتفاق دقيق أبرمه سانشيز مع المشرعين الانفصاليين الكتالونيين عام 2023 لضمان دعمهم لتشكيل حكومة أقلية، تعهد بالتقدم بطلب الاعتراف بهذه اللغات كلغات رسمية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وهذا الاعتراف يتطلب موافقة بالإجماع من الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد، ما دفع المسؤولين الإسبان لقضاء عامين في حشد الدعم الدبلوماسي لدى العواصم الأوروبية.
وتعتزم إسبانيا طرح هذه القضية للتصويت في اجتماع مجلس الشؤون العامة الأسبوع المقبل في بروكسل، حيث يتم التحضير لقمة القادة الأوروبية.
الانقسام بين العواصم الأوروبية
رغم دعم بلدان مثل بلجيكا وقبرص والبرتغال وهولندا ورومانيا وسلوفاكيا للمطلب الإسباني، فإن دولًا أخرى مثل كرواتيا وجمهورية التشيك وفنلندا وفرنسا وألمانيا والسويد أعربت عن تحفظاتها، داعية لمزيد من التوضيح حول التكاليف والعواقب القانونية المترتبة على هذه الخطوة.
ووفقًا لوثائق سربها موقع “بوليتيكو”، فإن هناك انقسامًا واضحًا بين الدول الأعضاء، حيث يخشى المعارضون من تأثير إضافة لغات رسمية جديدة على فعالية عمل الاتحاد، خصوصًا في ظل التكاليف المرتفعة التي يتحملها الاتحاد سنويًا لترجمة قوانينه ومقترحاته إلى 24 لغة رسمية حالية.
تكلفة الترجمة والتفسير
تتعهد الحكومة الإسبانية بتحمل تكلفة الترجمة والتفسير التي قد تصل إلى ملايين اليوروهات نتيجة دمج اللغات الإقليمية الثلاث، إلا أن هذا الوعد لم يخفِ شكوك دول الاتحاد الأوروبية في قدرة إسبانيا على تحمل مثل هذه النفقات على المدى البعيد.
وتقارير دبلوماسية من داخل الاتحاد تشير إلى أن الدول المعارضة تخشى من تفاقم التكاليف المالية التي يتجاوز إنفاقها السنوي على الترجمة مليار يورو.
الأبعاد السياسية والدفاعية
لا تقتصر المخاوف على البعد المالي فقط، بل تلعب العوامل السياسية دورًا مهمًا في المعارضة، خاصة في دول مثل فرنسا التي تتبنى سياسة وطنية صارمة تعارض الاعتراف الرسمي باللغات المحلية للأقليات، مثل الباسكية والبريتونية والكورسيكية.
من ناحية أخرى، تربط الحكومة الإسبانية بين هذه الخطوة والتمويل الوطني اللازم لزيادة الإنفاق الدفاعي استجابة لمطالب حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يضغط على إسبانيا لرفع ميزانية الدفاع. فوفقًا لدبلوماسي في الاتحاد الأوروبي، فقد وعدت إسبانيا الدول الأعضاء أن الاعتراف باللغات الإقليمية سيتيح لها إطلاق تمويل دفاعي إضافي، وهو رهان يعزز أهمية الملف أمام شركائها الأوروبيين.
التوتر داخل إسبانيا
في الداخل الإسباني، تواجه حكومة سانشيز ضغوطًا متزايدة من حلفائها الانفصاليين في حزب “جونتس” الكتالوني، الذين يشعرون بالإحباط من تباطؤ التقدم في ملف اللغة. وكانت هذه المسألة جوهرية في اتفاقية تشكيل الحكومة عام 2023، ويرى المراقبون أن الفشل في تنفيذ هذا الالتزام قد يهدد استمرار التحالف ويضعف التعاون السياسي بين مدريد وبرشلونة.
تداعيات محتملة على مستقبل الاتحاد
يرى خبراء أن هذا الخلاف يعكس تحديات أكبر تواجه الاتحاد الأوروبي في تحقيق التوازن بين التنوع الثقافي والسياسات الموحدة. فالخطوة الإسبانية، وإن كانت تبدو مطلبًا داخليًا مشروعًا، تثير جدلًا حول مدى قدرة الاتحاد على استيعاب لغات إضافية دون زيادة الأعباء المالية وتأخير عملية اتخاذ القرار.
ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن “إضافة لغات جديدة ليست مجرد مسألة رمزية، بل تتطلب موارد ضخمة لتوفير الترجمة الفورية والكتابية لكل الوثائق والمداولات”.
وتتصاعد حدة الجدل حول طلب إسبانيا جعل الكتالونية والباسكية والجاليكية لغات رسمية في الاتحاد الأوروبي، مع مخاوف من عواقب مالية كبيرة وتداعيات سياسية داخلية وخارجية. مع اقتراب موعد التصويت في بروكسل، تبدو المسألة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الاتحاد على التوفيق بين حماية التنوع اللغوي والثقافي، وضمان فاعلية إدارته المالية والسياسية.
في ظل هذه الأجواء، يترقب الجميع كيف ستتعامل إسبانيا مع الضغوط الأوروبية الداخلية، وما إذا كان سانشيز قادرًا على تحقيق هذا التعهد الذي قد يكون مفتاحًا لبقائه السياسي، خاصة في ظل الدعم الهش الذي يعتمده في حكومته الحالية.