بريطانيا تحذر من تهديد خطير للبنية التحتية الحيوية تحت سطح الماء

حذرت السلطات البريطانية من تهديد خطير يطال البنية التحتية الحيوية تحت سطح البحر، مثل خطوط أنابيب الغاز وخطوط الكهرباء وكابلات البيانات، واصفة إياها بأنها “البطن الرخو للأمن البريطاني”. جاء هذا التحذير وسط مخاوف متزايدة من عمليات تخريب روسية محتملة، في وقت تستعد المملكة المتحدة لمراجعة دفاعية استراتيجية كبرى من المقرر إجراؤها الأسبوع المقبل.
البنية التحتية تحت الماء في بريطانيا تمثل شريان حياة أساسي، خصوصًا خطوط أنابيب الغاز التي تورد جزءًا كبيرًا من الطاقة اللازمة لتدفئة المنازل وتشغيل المصانع. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين لندن وموسكو، تحولت هذه البنية التحتية إلى نقطة ضعف رئيسية قد تُستغل من قبل روسيا أو جهات معادية أخرى. تحركات الحكومة البريطانية لتعزيز الإنفاق الدفاعي تشمل مواجهة هذه المخاطر التي تُعد من أبرز الأولويات في المراجعة الدفاعية القادمة.
خط أنابيب لانغليد: نقطة الضعف الأكبر
يُعتبر خط أنابيب لانغليد، الذي يمتد على طول 715 ميلاً ويصل الغاز القادم من النرويج إلى المملكة المتحدة، أحد أهم أصول الطاقة الوطنية. يعتمد على هذا الخط أكثر من نصف الغاز المستورد، مما يجعل أي هجوم عليه كارثيًا للغاية. كما أشار خبراء سابقون في مجال الطاقة، مثل آدم بيل، إلى أن انفجارًا أو تعطيلًا لهذا الخط لن يؤدي إلى انهيار فوري، لكنه سيسبب ارتفاعًا حادًا في الأسعار ونقصًا في الإمدادات، ما قد يدفع البلاد إلى تقنين استخدام الغاز.
جانك ريتشاردسون، خبير الطاقة والاستراتيجي، أكد أن احتمال وقوع هجوم هو أمر “منخفض جدًا” لكنه في حالة حدوثه سيكون له “تأثير كارثي”. وقد رأى أن تعطيل خط لانغليد قد يُدخل البلاد في أزمة طاقة حقيقية، لافتًا إلى أن البدائل محدودة ومكلفة.
استثمار روسيا في قدرات التخريب البحرية
يرى سيدهارث كوشال، الباحث في معهد الخدمات الملكية المتحدة للأبحاث، أن روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتن “استثمرت موارد كبيرة في تطوير قدرات تخريبية تحت الماء” يمكن استخدامها لاستهداف خطوط الأنابيب والكابلات البحرية، والتي تُعد من الأهداف الاستراتيجية في حالة أي تصعيد عسكري.
وأضاف كوشال أن أي هجوم مباشر سيكون على الأرجح سريًّا، لكنه قد يبدأ في مراحل الانتقال من أزمة إلى أخرى، بهدف شلّ إمدادات الطاقة البريطانية قبل بدء النزاع الرسمي. وأوضح أن الهجمات ستستهدف المواقع ذات التكرار المحدود والتي يعتقدون أن الحماية فيها ضعيفة، مثل خط أنابيب لانغليد.
الاستعدادات البريطانية وتعزيز المراقبة
ردًا على هذه التهديدات، عززت بريطانيا وحلفاؤها من دورياتهم البحرية وأنظمة المراقبة باستخدام تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، كما عملوا على تنسيق الجهود مع حلف شمال الأطلسي لردع أي محاولات للتخريب. وأكدت الحكومة أن أمن البنية التحتية البحرية يظل أولوية قصوى، مع خطط واضحة لتعزيز الحماية في ظل الظروف الأمنية المتوترة.
سيناريوهات الطوارئ وتأثير الهجمات
تعتمد قدرة المملكة المتحدة على التعامل مع أي هجوم على عوامل كثيرة، منها مدى توفر الغاز المخزن محليًا، وحالة الطلب خاصة خلال فترات الطقس البارد، وكذلك قدرة البلاد على استيراد الغاز الطبيعي المسال من الأسواق العالمية، خصوصًا من الولايات المتحدة.
وقد حذر الخبراء من أن فقدان خط أنابيب لانغليد إلى جانب توقف واردات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي قد يؤدي إلى أزمة طاقة حادة، مما يستدعي تطبيق إجراءات طوارئ تقنين الغاز، تشمل إغلاق محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز، وربما حتى قطع الغاز عن بعض المصانع أو المنازل في الحالات القصوى. وكان وزير الطاقة والدفاع السابق جرانت شابس قد أكد على صعوبة التكهن بموثوقية الدعم الأمريكي في سيناريو أزمة، مشيرًا إلى أن ذلك يعتمد على عوامل متقلبة وغير مؤكدة.
في حال وقوع هجوم واسع النطاق، قد تستغرق إعادة الشبكة إلى وضعها الطبيعي شهورًا، كما ستتأثر دول مجاورة تعتمد على الغاز البريطاني مثل أيرلندا بشكل مباشر.
الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز
يرى الخبراء أن الحل الأبرز لأمن الطاقة البريطاني على المدى البعيد هو تقليل الاعتماد على الغاز والفحم من خلال التوجه نحو مصادر طاقة متجددة وتنويع مزيج الطاقة الوطني. وتخطط حكومة حزب العمال لخفض استهلاك الغاز بشكل كبير بحلول 2030، لكن هناك دعوات لتعزيز جهود تقليل الاعتماد على الغاز في التدفئة والاستهلاك العام بشكل أسرع.
وفي الوقت ذاته، يرى بعض المسؤولين مثل جرانت شابس أن على بريطانيا الاستمرار في استخراج الغاز من بحر الشمال لتعزيز الإمدادات المحلية على المدى القصير، مشيرًا إلى أن وقف التنقيب عن الغاز لأسباب أيديولوجية قد يعرض الأمن الطاقي للخطر.
وتظل المملكة المتحدة في مواجهة تهديد حقيقي للبنية التحتية البحرية التي تعد العمود الفقري لأمنها الطاقي والاقتصادي. ومع استمرار التوترات مع روسيا، تبدو الحاجة ملحة لوضع خطط وطنية متكاملة لحماية هذه المنشآت الحيوية، تشمل تعزيز القدرات الدفاعية، مراقبة محكمة، خطط طوارئ فعالة، واستراتيجية طويلة الأمد لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. الحكومة البريطانية تؤكد التزامها الكامل بحماية أمن البلاد وحلفائها من كل المخاطر التي قد تهدد استقرارها في عالم متغير سريع الخطى.



