رئيسيشئون أوروبية

توسك “المتمرد” يدعو إلى تصويت ثقة لتثبيت سلطته في بولندا بعد انتكاسة الانتخابات الرئاسية

في خطوة تهدف إلى إعادة فرض هيمنته السياسية واستعادة زمام المبادرة بعد هزيمة انتخابية مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عزمه الدعوة إلى تصويت على الثقة في حكومته أمام البرلمان، وذلك عقب فوز المرشح الشعبوي كارول ناوروكي المدعوم من المعارضة في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد.

وقال توسك في خطاب متلفز: “أريد أن يرى الجميع، سواء من خصومنا في الداخل أو الخارج، أننا مستعدون لهذا الوضع، وندرك خطورة اللحظة، لكننا لا ننوي التراجع خطوة واحدة”. وأضاف أن حكومته باقية، وأن العمل سيستمر “بكامل القوة والتصميم”.

انتكاسة انتخابية تربك المشهد
فوز ناوروكي، وهو سياسي يميني شعبوي يعد من المعجبين بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مثل ضربة مفاجئة للحكومة البولندية الحالية التي يقودها تحالف وسطي ليبرالي بزعامة توسك. ومن المتوقع أن يستخدم ناوروكي موقع الرئاسة لتعطيل الإصلاحات المحلية التي يسعى توسك إلى تنفيذها، من بينها إصلاح نظام الضمان الاجتماعي، واستعادة سيادة القانون، وتوسيع الحريات المدنية بما في ذلك حقوق المثليين وتخفيف القيود الصارمة على الإجهاض.

ويرى مراقبون أن فوز ناوروكي يعيد إلى الواجهة الانقسام العميق داخل المجتمع البولندي بين توجهات ليبرالية أوروبية وأخرى محافظة ذات نزعة قومية، وهو الانقسام ذاته الذي ميز الحياة السياسية في البلاد خلال العقد الماضي.

تصويت الثقة: مخاطرة محسوبة
دعوة توسك إلى تصويت الثقة في هذا التوقيت ينظر إليها كرهان سياسي محسوب، يهدف إلى إثبات أن حكومته لا تزال تملك الدعم البرلماني الكافي، رغم الانتكاسة في صندوق الاقتراع الرئاسي. ويتكون البرلمان البولندي (السييم) من 460 نائبًا، وتملك أحزاب الائتلاف الحاكم الذي يقوده توسك 242 مقعدًا، ما يمنحه هامش أمان نظريًا لعبور التصويت بنجاح.

ووفقًا لاستطلاع أجرته محطة “بولسات”، فإن توسك لا يواجه تهديدًا وشيكًا بسحب الثقة، لكنه يسعى من خلال هذا الإجراء إلى امتصاص أي بوادر تمرد داخلي داخل ائتلافه، خاصة بعد أن وصف رئيس البرلمان والمرشح الرئاسي الخاسر سيمون هولونيا نتيجة الانتخابات بأنها “بطاقة صفراء – وربما حتى حمراء – لهذه الحكومة وهذا الائتلاف”.

حسابات الرئاسة والفيتو المحتمل
وفي معرض تعليقه على تداعيات وصول ناوروكي إلى القصر الرئاسي، قال توسك إن الرئاسة “لم ولن تغيّر شيئًا”، مشيرًا إلى أن حكومته سبق أن واجهت رئيسًا غير متعاون، في إشارة إلى الرئيس المنتهية ولايته أندريه دودا الذي استخدم حق النقض (الفيتو) مرارًا لإحباط مشاريع القوانين التي تقدم بها توسك منذ عودته إلى السلطة.

وأعرب توسك عن استعداده للتعاون مع ناوروكي “إذا أبدى الأخير حسن النية”، لكنه أضاف بسخرية أن ذلك “سيكون مفاجأة سارة”. وأكد أن لدى حكومته خطة طوارئ للتعامل مع العرقلة المتوقعة من الرئاسة الجديدة، بما في ذلك استخدام التحالفات السياسية في البرلمان والمؤسسات الأوروبية لتجاوز بعض العقبات.

انقسامات داخلية وتحديات مقبلة
رغم أن الحكومة الحالية لا تزال تحظى بالأغلبية، إلا أن فوز المعارضة بالرئاسة سلط الضوء على التحديات التي تواجه توسك داخليًا، سواء من الشارع البولندي الذي يشعر بعضه بالإحباط من بطء الإصلاحات، أو من داخل ائتلافه ذاته الذي يضم أطيافًا مختلفة تتراوح بين الوسط اليساري واليمين الليبرالي.

وتتزايد الأصوات داخل التحالف الداعية إلى تعديل في الأداء الحكومي والتواصل مع القواعد الشعبية، خاصة في المناطق الريفية التي صوّتت بقوة لصالح ناوروكي، احتجاجًا على ما تعتبره تجاهلًا من النخبة الحاكمة في وارسو لهمومها اليومية.

أوروبا تراقب
في بروكسل، يتابع المسؤولون الأوروبيون عن كثب تطورات الوضع في بولندا، باعتبارها اختبارًا حاسمًا لاستقرار الديمقراطيات في أوروبا الوسطى والشرقية. وكان الاتحاد الأوروبي قد دخل في نزاع طويل مع الحكومات البولندية السابقة بسبب انتهاكات سيادة القانون وت politicization of the judiciary، وهو الملف الذي سعى توسك إلى تصحيحه منذ عودته إلى الحكم العام الماضي.

ويُنظر إلى توسك، وهو الرئيس الأسبق للمجلس الأوروبي، على أنه حليف وثيق لبروكسل، وتحقيق فشل حكومته قد يُعيد بولندا إلى مسار من المواجهة مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وبينما يحاول دونالد توسك إعادة ترتيب أوراقه السياسية عقب الهزيمة الرئاسية، يبدو أن معركته الحقيقية ستكون في الداخل، بين تثبيت الدعم البرلماني وتحقيق إصلاحات طموحة في بيئة سياسية مضطربة. ويبقى تصويت الثقة خطوة مفصلية إما لترسيخ قيادته أو لتفجير خلافات داخلية قد تعيد المعارضة إلى الواجهة، هذه المرة من بوابة البرلمان بعد أن سيطرت على الرئاسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى