رئيسيشئون أوروبية

انهيار الحكومة الهولندية بعد انسحاب حزب فيلدرز بسبب أزمة اللجوء

أعلنت الحكومة الهولندية انهيارها صباح الثلاثاء 3 يونيو 2025، بعد انسحاب حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز من الائتلاف الحاكم، إثر خلافات حادة بشأن سياسة اللجوء. جاء القرار المفاجئ بعد فشل محادثات أزمة عُقدت في لاهاي في محاولة أخيرة لإنقاذ التحالف الرباعي الذي لم يصمد لعامٍ كامل منذ تشكيله.

وغرّد فيلدرز على منصة “إكس” قائلاً: “لا توقيع على خططنا المتعلقة باللجوء. لا تعديلات على اتفاقية الائتلاف. حزب الحرية ينسحب من الحكومة”، في إعلان قصير أنهى فعليًا واحدة من أكثر الحكومات الهولندية إثارةً للجدل في السنوات الأخيرة.

أزمة اللجوء: نقطة الانفجار
حزب فيلدرز الذي حصل على المركز الأول في انتخابات نوفمبر 2023، طالب شركاءه في الحكومة بالموافقة الفورية على ما سمّاه “خطة النقاط العشر” التي تشمل إجراءات صارمة ضد طالبي اللجوء، بينها إغلاق الحدود أمامهم. غير أن باقي الأحزاب الثلاثة في الائتلاف – حركة المزارعين BBB، وحزب العقد الاجتماعي NSC، والحزب الليبرالي VVD – رفضت الانصياع لتلك المطالب، ما أدّى إلى تفجر الأزمة.

وقال فيلدرز في مؤتمر صحفي عقب انسحابه: “لقد وعدنا ناخبينا بأشد سياسة لجوء على الإطلاق. شركاؤنا رفضوا ذلك، فلم يكن أمامنا خيار سوى الانسحاب”.

وأكد أنه أبلغ رئيس الوزراء ديك شوف بقراره سحب وزراء حزب الحرية من الحكومة، مضيفًا: “لقد وافقت على تطبيق سياسة اللجوء الأكثر صرامة، وليس على سقوط هولندا”.

ردود غاضبة من الشركاء
ردود الأفعال جاءت سريعة وغاضبة من الأحزاب الأخرى، إذ وصفت كارولين فان دير بلاس، زعيمة حركة المزارعين BBB، الخطوة بأنها “غير مسؤولة”، مضيفة عبر منصة “إكس”: “من يتراجع الآن، يُسلم البلاد لليسار على طبق من فضة”.

أما رئيس حزب NSC، نيكولين فان فرونهوفن، فقال لهيئة الإذاعة العامة NOS: “كنا نأمل أن يراجع فيلدرز موقفه بعد ليلة من التفكير، لكنه جاء بإعلان مفاجئ للغاية، لا يمكن فهمه”.

ووجّهت ديلان يشيلغوز، رئيسة حزب VVD، انتقادات حادة إلى فيلدرز، متهمة إياه بـ”تقديم مصلحته الشخصية مجددًا على حساب مصلحة البلاد”، مضيفة أن الانهيار “لا يتعلق حقًا بالهجرة، بل بتخبط حزب الحرية”.

حكومة مأزومة من البداية
تشكّلت حكومة شوف في مايو 2024 بعد مفاوضات شاقة استمرت لأشهر، إثر الفوز المفاجئ لليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية. مثّلت تلك الحكومة سابقة في التاريخ الهولندي، حيث شارك فيها حزب معروف بعدائه للإسلام والمهاجرين.

غير أن عمر الحكومة كان مليئًا بالأزمات. فعلى الرغم من تشكيلها لتحالف يميني واسع، اصطدمت طموحات فيلدرز مرارًا بتوازنات الائتلاف. وقد هاجم رئيس الوزراء في البرلمان، واحتج على دعم الحكومة لأوكرانيا، كما اعترض على موقفها من الشراكة الأوروبية مع إسرائيل.

وقال روب جيتن، زعيم حزب D66 المعارض، لإذاعة NOS: “لو لم تنهار الحكومة اليوم، لانهارت خلال أسابيع. ما شهدناه هو حكومة بلا قرارات، مليئة بالخلافات والتجاذبات”.

ارتباك قبل قمة الناتو
يأتي الانهيار في توقيت حساس بالنسبة لهولندا، حيث تستعد لاستضافة قمة حاسمة لحلف شمال الأطلسي “الناتو” خلال أسابيع، يُتوقّع أن تشهد تعهدات جديدة بزيادة الإنفاق الدفاعي. وقد يضع الفراغ السياسي قدرة هولندا على الالتزام بتلك الوعود موضع شك.

في الوقت ذاته، من المقرر أن يجتمع الوزراء الثلاثاء لتحديد الخطوة التالية، وسط ترجيحات بتقديم رئيس الوزراء استقالة حكومته رسميًا.

انتخابات مبكرة على الأبواب؟
فتح انسحاب حزب فيلدرز الباب واسعًا أمام انتخابات مبكرة، قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي الهولندي. وأظهرت استطلاعات حديثة أعدّها موقع “بوليتيكو” أن الأحزاب الحكومية – باستثناء حزب فيلدرز – فقدت جزءًا كبيرًا من شعبيتها، حيث تراجعت حركة BBB وNSC إلى 1% فقط في نوايا التصويت.

ورغم تصدر حزب الحرية لاستطلاعات الرأي، إلا أن الفارق بينه وبين خصومه بات ضئيلًا، في ظل صعود تحالف حزب العمال واليسار الأخضر بقيادة المفوض الأوروبي السابق فرانس تيمرمانز، إضافة إلى استعادة الحزب الليبرالي VVD جزءًا من تأييده.

هكذا تنتهي أول تجربة لحزب فيلدرز في الحكم بعد أقل من عام، تاركة خلفها مشهدًا سياسيًا أكثر انقسامًا وهشاشة. وبينما يستعد الهولنديون لجولة جديدة من الانتخابات، تبقى قضية الهجرة ـ التي أسقطت الحكومة ـ محورًا حاسمًا في أي استحقاق قادم، وسط تصاعد النزعات الشعبوية في عموم أوروبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى