رئيسيشئون أوروبية

محكمة ألمانية ترفض ركيزة أساسية في حملة ميرز ضد اللجوء

في صفعة قضائية مدوية لحكومة المستشار المحافظ فريدريش ميرز، قضت محكمة ألمانية يوم الاثنين 2 يونيو بأن سياسة طرد طالبي اللجوء عند الحدود غير قانونية، مما يقوّض إحدى الركائز الأساسية لحملة ميرز المتشددة على الهجرة.

جاء الحكم ردًا على قضية رفعها ثلاثة طالبي لجوء صوماليين، أعادتهم الشرطة الألمانية إلى بولندا بعد أن تقدموا بطلبات لجوء على الحدود في مايو/أيار. وأكدت المحكمة أن عمليات الترحيل هذه تخالف القانون الأوروبي، الذي يكفل الحق في تقديم طلب لجوء داخل أراضي الدول الأعضاء، حتى في ظل وجود عمليات تفتيش حدودية.

وقالت المحكمة في بيانها: “لا يجوز إعادة الأشخاص الذين يقدمون طلبات لجوء أثناء عمليات تفتيش الحدود على الأراضي الألمانية”، مشيرة إلى أن القانون الأوروبي – بما في ذلك اتفاقية دبلن – يضمن لطالبي اللجوء فرصة التقديم داخل الدولة التي يصلون إليها أولًا.

مأزق سياسي لميرز
قرار المحكمة يمثل نكسة سياسية كبيرة لميرز، الذي صعد إلى الحكم بعد حملة انتخابية تعهد فيها بفرض “أقسى السياسات الممكنة” ضد الهجرة، تحت ضغط متزايد من حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف، الذي يحقق صعودًا كبيرًا في استطلاعات الرأي ويُعد اليوم أقوى حزب معارض في البلاد.

منذ توليه منصبه الشهر الماضي، سارع ميرز إلى اتخاذ خطوات رمزية وواقعية لتنفيذ وعوده، أبرزها إعلان وزير داخليته ألكسندر دوبريندت إرسال آلاف من عناصر الشرطة إلى الحدود لتطبيق ما سُمّي بـ”حظر دخول فعال”، قائلًا إن هذه الإجراءات “ترسل إشارة واضحة بأن سياسة الهجرة في ألمانيا قد تغيّرت جذريًا”.

لكن هذا التشدد لم يلق ترحيبًا من جيران ألمانيا، خاصة بولندا، التي نددت بما اعتبرته عرقلة لحرية الحركة والتجارة داخل منطقة شنغن، وتسبب في اختناقات مرورية على الحدود.

الحكومة تتحدى
عقب صدور الحكم، سعى وزير الداخلية دوبريندت إلى التقليل من تداعياته، مشيرًا إلى أن القرار يقتصر “على القضية الفردية الخاصة باللاجئين الصوماليين الثلاثة”، مؤكدًا أن الحكومة لا تزال تعتبر أن لديها أساسًا قانونيًا للاستمرار في سياسة التفتيش والصدّ على الحدود.

وأضاف: “نحن ملتزمون بالإجراءات المتفق عليها، وسنواصل تطبيقها لحماية الأمن الداخلي”. وتابع: “يجب علينا أن نخفف العبء المفرط عن كاهل البلديات، التي تعاني من نقص في الموارد وتزايد الضغوط المرتبطة بالهجرة”.

غير أن المحكمة أكدت في المقابل أن قرارها نهائي وغير قابل للطعن، وأن على الحكومة الالتزام به في القضايا المماثلة، مما يفتح الباب أمام تحديات قانونية متتالية قد تُجبر برلين على مراجعة سياساتها بالكامل.

المسرح السياسي والمأزق القانوني
يرى مراقبون أن قرار المحكمة كشف الهوة بين الشعارات السياسية والقانون الأوروبي، حيث اعتبره بعض الخبراء القانونيين “صفعة رمزية” لخطاب ميرز الشعبوي. وقال البروفيسور مارتن فوس من جامعة هومبولت: “الحكومة تحاول تصوير نفسها على أنها صارمة، لكنها تعرف جيدًا أن قدرتها القانونية على طرد طالبي اللجوء محدودة للغاية”.

وأضاف: “الحكم يوضح أن السياسات التي تعتمد على الرمزية والمزايدة السياسية لا يمكنها الصمود أمام رقابة القضاء”.

ضغوط داخلية من اليمين المتطرف
من المرجّح أن يُستغل هذا الحكم من قبل حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يسعى إلى تعزيز شعبيته من خلال تصوير ميرز على أنه عاجز عن تنفيذ وعوده. وقال متحدث باسم الحزب: “الناس لا تريد أقوالًا بل أفعالًا. وميرز أثبت اليوم أنه غير قادر على الوفاء بالتزاماته”.

ويُذكر أن حزب البديل يتبنى برنامجًا يدعو إلى إنهاء الهجرة تمامًا، بما في ذلك الخروج من اتفاقيات الاتحاد الأوروبي المنظمة للجوء.

الهجرة: قضية سياسية مستعرة
ورغم تراجع أعداد طالبي اللجوء بنسبة 30% العام الماضي، لا تزال الهجرة قضية مركزية في المشهد السياسي الألماني. تقدم نحو 230 ألف شخص بطلبات لجوء في ألمانيا خلال عام 2024، ومعظمهم من سوريا وأفغانستان والصومال.

ومع اقتراب الانتخابات المحلية في عدة ولايات خلال الأشهر المقبلة، يتوقع محللون أن تزداد حدة الخطاب السياسي المرتبط بالهجرة. ويخشى بعض المراقبين من أن يُترجم هذا التوتر إلى استقطاب سياسي متزايد بين الأحزاب التقليدية واليمين المتطرف.

وقرار المحكمة لا يُمثّل مجرد انتكاسة قانونية للحكومة، بل يضع فريدريش ميرز أمام اختبار جدي لقدرته على التوفيق بين الوعود الانتخابية والقوانين الأوروبية الملزمة. ومع تصاعد الضغوط من الداخل والخارج، يبقى مستقبل سياسة اللجوء في ألمانيا معلقًا على قدرة ميرز على تعديل المسار دون خسارة القاعدة الشعبية التي أوصلته إلى السلطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى