تكنولوجيارئيسي

لماذا ماكرون مهووس بحظر وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال؟

يلوّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجددًا براية “حماية الطفولة” عبر مقترح مثير للجدل يقضي بمنع الأطفال دون سن الخامسة عشرة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم أن هذه الفكرة ليست جديدة، إلا أنها تحولت إلى محور استقطاب سياسي ووسيلة نادرة لماكرون لممارسة نفوذ داخلي في لحظة سياسية صعبة.

من الطعن إلى التشريع

أعاد حادث مروّع وقع الثلاثاء – طعن مراهق يبلغ من العمر 14 عامًا لموظف في مدرسة حتى الموت – تسليط الضوء على هذه القضية.

وعلى الرغم من أن التحقيقات الأولية أشارت إلى أن الفتى المعتدي “نادراً ما يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي”، وأنه “من محبي ألعاب الفيديو العنيفة”، إلا أن ماكرون سارع في الليلة نفسها إلى الربط بين الجريمة ومنصات الإنترنت.

وفي مقابلة متلفزة، عبّر ماكرون عن استعداده للتحرك بشكل أحادي إذا لم يُبادر الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات سريعة، قائلاً: “فرنسا لا تستطيع الانتظار أكثر”.

وتزامن ذلك مع محاولات فرنسية سابقة لتقييد وصول القاصرين إلى المحتوى الإباحي عبر الإنترنت، ما يعكس اتجاهاً سياسياً واضحاً يسعى إلى تشديد الرقابة على المحتوى الرقمي بحجة حماية النشء.

مكسب سياسي في وقت حساس

في ظل برلمان معلّق عقب انتخابات مبكرة كارثية، يبدو أن ماكرون وجد في هذا الملف فرصة نادرة لاستعادة زمام المبادرة السياسية داخلياً.

وبحسب مستشار سابق في الإليزيه، فإن إثارة هذا الموضوع تمنح ماكرون “مظهراً قيادياً” و”انطباعاً بالمسؤولية”، حتى لو لم تتحول أقواله إلى أفعال.

ويضيف المستشار أن ماكرون يستطيع – في حال نجاح المشروع – الادعاء بأنه “قادر على قيادة الأجندة السياسية في قضايا تتجاوز الاستقطاب الحزبي”. أما إذا فشل، فلن يتردد في تحميل البرلمان المسؤولية، وهو ما يتيح له هامشاً سياسياً للمناورة.

تُعزز استطلاعات الرأي هذا التوجه، إذ أظهر استطلاع لشركة هاريس إنتراكتيف أن 73% من الفرنسيين يدعمون تحديد الحد الأدنى لسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مما يضفي على المقترح جاذبية شعبية لا يمكن تجاهلها.

محاولة لإعادة تعريف العلاقة مع التكنولوجيا

منذ بداية ولايته الثانية، يسعى ماكرون لفرض تصور أكثر انضباطاً في علاقة المجتمع الفرنسي بالتكنولوجيا، وخاصة منصات التواصل.

ففي عام 2023، جرى تمرير قانون يقيّد استخدام الأطفال دون الخامسة عشرة لهذه المنصات، لكنه علّق لاحقًا بسبب صعوبات تقنية في تطبيق آليات التحقق من السن، فضلاً عن تضاربه مع قوانين أوروبية أبرزها “قانون الخدمات الرقمية”.

وفي أبريل 2024، قدّمت لجنة خبراء شكلها الإليزيه توصية رسمية بتحديد السن بـ15 عامًا، وفي يونيو من نفس العام، تعهد ماكرون بتطبيقها، قبل أن يخسر أغلبيته البرلمانية، ما عرقل التنفيذ مرة أخرى.

ورغم ذلك، لم يُسحب المقترح من التداول، بل أُدرج مجددًا ضمن الأولويات الرئاسية بعد حادثة الطعن الأخيرة، في محاولة لإعادة توجيه النقاش العام.

انتقادات من داخل القطاع التقني

لكن داخل أروقة شركات التكنولوجيا الكبرى، تسود حالة من الامتعاض المتزايد.

فقد صرح أحد ممثلي الصناعة لـبوليتيكو بأن ماكرون يعتمد على “استجابات انعكاسية” و”سرديات جاهزة” لإلقاء اللوم على المنصات الرقمية في كل مرة تشهد البلاد أعمال عنف، كما حدث خلال احتجاجات “السترات الصفراء” في 2018، أو أحداث الشغب عقب مقتل مراهق على يد الشرطة في 2023.

وقال المصدر: “إنه يروّج لرواية مفادها أن المنصات هي أصل العنف، وليس المشاكل الاجتماعية نفسها”، مضيفًا أن الحكومة تتجاهل المعالجات الجذرية وتختزل الأزمات في تطبيقات إلكترونية.

فجوة بين الخطاب والتنفيذ

في المقابل، يرى خبراء في حقوق الطفل أن خطاب الإليزيه يفتقر إلى خطة تنفيذية واضحة. وقال محامٍ يعمل في مؤسسة الطفولة الفرنسية، وهي منظمة غير حكومية معنية بحقوق الأطفال، إن ما يصدر عن فريق ماكرون “مجرد إعلانات سياسية بلا تدابير ملموسة”.

ورغم عقد اجتماعات وزارية مؤخراً لبحث الملف وتسريع التشريعات، إلا أن التوقعات بإجراء تغييرات فورية لا تزال منخفضة، نظراً للتعقيدات التقنية والقانونية، إلى جانب محدودية التأييد البرلماني.

بين حماية الطفولة والسيطرة السياسية

يبدو أن إيمانويل ماكرون يحاول من خلال هذا الملف أن يجمع بين المصلحة العامة – حماية الأطفال من أخطار الإنترنت – والمكاسب السياسية في زمن فقد فيه الكثير من أدوات التأثير.

إلا أن الشكوك تحيط بقدرته على تحويل هذه المبادرة إلى سياسة فعالة، في ظل بيئة تشريعية مقيدة ومشهد سياسي منقسم.

ومع تصاعد الضغوط الأمنية والاجتماعية، سيبقى ملف “التواصل الاجتماعي للأطفال” مادة دسمة لماكرون لممارسة الدور الذي يبدو أنه يفتقده مؤخراً: دور الزعيم الحازم الذي يتحرك حيث لا يجرؤ الآخرون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى