في خطوة تاريخية تعكس تحوّلاً لافتاً في هيكلية أجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية، أعلنت حكومة المملكة المتحدة تعيين بليز ميتريويلي أول امرأة على الإطلاق لتولي رئاسة جهاز الاستخبارات السرية البريطانية MI6، في وقت تواجه فيه البلاد تهديدات أمنية توصف بأنها “غير مسبوقة”.
وجاء الإعلان على لسان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال كلمته في قمة مجموعة السبع المنعقدة في مقاطعة ألبرتا الكندية، حيث قال: “لم يكن عمل أجهزة الاستخبارات البريطانية أكثر أهمية من أي وقت مضى”، مضيفاً أن المملكة المتحدة تواجه تهديدات متزايدة تشمل عمليات تجسس إلكتروني معقدة وسفن مراقبة تتبع قوى معادية، في إشارة غير مباشرة إلى روسيا والصين.
وتمتلك بليز ميتريويلي خبرة تمتد لـ16 عاماً في مختلف أجهزة الاستخبارات البريطانية، بدءاً من جهاز الاستخبارات الداخلية MI5، مروراً بوكالة الاتصالات الحكومية GCHQ، وصولاً إلى الاستخبارات الخارجية MI6.
وخلال مسيرتها، شغلت ميتريويلي مناصب عليا على مستوى المدير العام، وتخصصت في ملفات حساسة تتعلق بالأمن السيبراني ومكافحة التجسس.
حسب الموعد
في تعليقها على المنصب الجديد، قالت ميتريويلي إن جهاز MI6، إلى جانب شريكيه MI5 وGCHQ، “يلعب دوراً محورياً في حماية أمن المواطنين البريطانيين وتعزيز مصالح المملكة المتحدة في الخارج”، مشددة على أن المرحلة المقبلة تتطلب تحديث الأدوات الأمنية لمواجهة تحديات العصر الرقمي والتنافس الجيوسياسي المتصاعد.
وتحلّ ميتريويلي محل ريتشارد مور، الذي شغل منصب رئيس MI6 منذ العام 2020، وقاد خلال ولايته توجهاً نحو التركيز على تهديدات الصين، التي وصفها في مقابلة سابقة مع “بوليتيكو” عام 2023 بأنها “التحدي الأكبر في العقود القادمة”، مشيراً إلى أن جهاز الاستخبارات بات يخصص موارد للصين أكثر من أي مهمة أخرى.
ويعتبر مور من أبرز الأصوات التي دفعت نحو زيادة الانخراط التكنولوجي في العمل الاستخباري البريطاني، لا سيما عبر التعاون مع الشركات الناشئة ومراكز الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، وهي مسارات يُنتظر من ميتريويلي البناء عليها وتطويرها.
تحديات الأمن القومي في مرحلة مفصلية
يأتي هذا التعيين في ظل موجة من التحديات الأمنية التي تواجهها بريطانيا، وعلى رأسها التهديدات السيبرانية المتنامية والتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية، إلى جانب تزايد النشاط الاستخباري من قبل قوى عالمية مثل الصين وروسيا وإيران.
وقد أشار رئيس الوزراء ستارمر في كلمته إلى أن “المعتدين يرسلون سفن التجسس إلى مياهنا، بينما تحاول هجمات إلكترونية متطورة تعطيل خدماتنا العامة”، داعياً إلى “تعزيز اليقظة والتحديث السريع لمنظومات الدفاع السيبراني البريطانية”.
وفي خضم هذه البيئة، تبدو مهمة بليز ميتريويلي شاقة ومعقدة، إذ يُنتظر منها ليس فقط إدارة جهاز بالغ السرية مثل MI6، بل أيضاً التنسيق مع حلفاء بريطانيا في الناتو والمجتمع الاستخباري الغربي الأوسع، لمواجهة طيف واسع من التحديات التي تتراوح بين الهجمات الرقمية والتجسس التقليدي وصعود قوى جديدة في النظام الدولي.
ويمثل تعيين ميتريويلي كسيدة أولى في هذا المنصب تطوراً نوعياً في الثقافة المؤسسية البريطانية التي طالما ارتبطت بالأدوار الذكورية في مواقع الاستخبارات العليا.
وعلى الرغم من أن الجمهور البريطاني يعرف “رئيس MI6” عبر أفلام جيمس بوند – حيث جسدت الممثلة جودي دينش شخصية “M” في سلسلة الأفلام الشهيرة – فإن تعيين امرأة حقيقية في المنصب يمثل علامة فارقة في تاريخ الجهاز.
ويُنظر إلى هذا القرار أيضاً كرسالة سياسية واضحة من حكومة كير ستارمر التي تسعى إلى تحديث مؤسسات الدولة وإضفاء مزيد من التنوع والكفاءة على المناصب العليا، مع الحفاظ على التقليد الاستخباري البريطاني العريق.

