بروكسل تقاوم ضغوط العواصم الأوروبية لحماية صادراتها في مواجهة حرب ترامب التجارية

وسط تصاعد التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تجد المفوضية الأوروبية نفسها عالقة بين رغبة العواصم الأوروبية في حماية صادراتها الحساسة، وضرورة إظهار موقف تفاوضي صارم في مواجهة تهديدات الرسوم الجمركية التي يلوّح بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في اجتماع مغلق عُقد هذا الأسبوع، أبلغت المفوضية الدول الأعضاء بأنها لن تلبي جميع طلباتها لإزالة سلع حساسة من قائمة الانتقام التجاري ضد الولايات المتحدة، محذّرة من أن هذا من شأنه إضعاف موقف الاتحاد الأوروبي التفاوضي في اللحظة الأكثر حساسية من المحادثات التجارية مع واشنطن.
ضغوط العواصم تهدد وحدة الموقف الأوروبي
بحسب دبلوماسيين ومسؤولين أوروبيين تحدّثوا لصحيفة بوليتيكو، فإن المفوضية تواجه ضغوطًا مكثفة من عدة حكومات أوروبية، من بينها فرنسا، وأيرلندا، وإيطاليا، وألمانيا، لحذف منتجات رئيسية من قائمة السلع الأميركية التي قد تُفرض عليها رسوم جمركية انتقامية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد لوّح في وقت سابق بفرض رسوم على سلع أميركية بقيمة 95 مليار يورو، ردًا على تهديدات ترامب بفرض رسوم تصل إلى 50% على معظم صادرات الاتحاد، مقارنة بـ10% حاليًا. غير أن استجابة المفوضية لمطالب الدول الأعضاء قد تؤدي إلى تقليص القائمة الانتقامية إلى 25 مليار يورو فقط.
ترامب يصعّد… وبروكسل تحاول الصمود
من المنتظر أن يبدأ سريان رسوم ترامب الجمركية في 9 يوليو المقبل، وهو ما يضغط على مفاوضي المفوضية الأوروبية للتوصل إلى تسوية قبل هذا التاريخ الحاسم. لكن بروكسل ترى أن إظهار المرونة الزائدة الآن – عبر إزالة سلع مهمة من القائمة – سيضعف قدرتها على التفاوض، ويمنح ترامب اليد العليا.
وتسعى بروكسل حاليًا إلى الموازنة بين حماية صناعاتها الحيوية والاستمرار في التهديد بإجراءات تجارية قاسية إذا لم تتراجع الولايات المتحدة. وقال أحد المسؤولين الأوروبيين: “إذا خفضنا قائمة الانتقام كثيرًا، فسوف نبدو ضعفاء ولن يكون هناك ما نرد به”.
صناعات حساسة في مرمى المواجهة
من أبرز الملفات الخلافية، مطالبة دول مثل أيرلندا بحذف الأدوية والتكنولوجيا من القائمة الانتقامية، نظرًا لاعتمادها على صادرات هذه القطاعات إلى الولايات المتحدة. كما ضغطت فرنسا وإيطاليا سابقًا لإزالة الويسكي البوربون من حزمة الرسوم المقترحة، بعد تهديد ترامب بفرض ضريبة تصل إلى 200% على الشمبانيا والنبيذ الأوروبي.
وفي السياق ذاته، تسعى ألمانيا، ذات قطاع السيارات العملاق، إلى تجنّب فرض رسوم أميركية على السيارات المصنعة في أوروبا. ولهذا السبب، تقوم وزيرة الاقتصاد الألمانية كاتارينا رايش بزيارة واشنطن هذا الأسبوع لإجراء محادثات مباشرة مع الإدارة الأميركية.
مفاوضات اللحظة الأخيرة
تجري المفوضية حاليًا مشاورات مكثفة مع الحكومات والشركات داخل الاتحاد بشأن المرحلة الثانية من قائمة السلع الانتقامية، والتي يُتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في منتصف يوليو إذا لم تنجح المفاوضات الجارية.
ويقول مراقبون إن المفوضية تتخذ حاليًا موقفًا أكثر تشددًا، خشية أن يؤدي تنازل مبكر عن أوراق الضغط إلى فشل المفاوضات، خصوصًا في ظل أسلوب ترامب التصعيدي المعروف في التفاوض.
ماذا بعد؟
لا تزال نتائج المحادثات مفتوحة على كل الاحتمالات، مع ترجيحات بأن بروكسل قد تضطر إلى تقليص قائمتها بالفعل، لكن فقط بعد الحصول على ضمانات أميركية حقيقية بالتراجع عن الإجراءات العقابية.
في حال فشل التفاوض، فإن حربًا تجارية شاملة قد تنطلق مجددًا بين ضفتي الأطلسي، على غرار ما حدث في عهد ترامب الأول. هذه الحرب قد تؤثر سلبًا على سلاسل التوريد العالمية، وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا.
ورغم الانقسامات الواضحة بين الدول الأعضاء، فإن المفوضية تصر على أن الاتحاد الأوروبي “سيبقى موحدًا في الدفاع عن مصالحه”، على حد تعبير مسؤول تجاري كبير في بروكسل.
وأمام الاتحاد الأوروبي الآن اختبار دقيق للتوازن بين مصالحه الاقتصادية قصيرة الأمد، وبين استراتيجية الردع طويلة الأمد تجاه سياسات ترامب العدائية. فهل تنجح بروكسل في الحفاظ على وحدتها وكسب المعركة التفاوضية؟ أم أن مصالح العواصم المختلفة ستفرض ثمنًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا؟



