رئيسيشئون أوروبية

مؤتمر المعاشات التقاعدية الفرنسي يواجه لحظة حاسمة مع اقتراب المهلة النهائية

يواجه مؤتمر المعاشات التقاعدية الفرنسي لحظة حاسمة هذا الأسبوع، مع اقتراب موعد انتهاء المهلة التي حددها رئيس الوزراء فرانسوا بايرو يوم الاثنين للتوصل إلى اتفاق شامل بشأن تعديلات على إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل الذي أُقرّ عام 2023.

ففي حين كان يُفترض أن تنتهي المحادثات الأسبوع الماضي، تم تمديد المهلة بهدف إفساح المجال أمام النقابات وممثلي القطاع الاقتصادي لمناقشة سبل تحسين النظام دون تعميق عجزه المتفاقم، وسط تزايد الانقسامات السياسية والاجتماعية حول مستقبل التقاعد في فرنسا.

خلافات مستمرة

رغم الجهود المبذولة منذ يناير/كانون الثاني، لا تزال الخلافات بين الحكومة والنقابات العمالية قائمة، خاصة بشأن رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا، وهو البند الأكثر إثارة للجدل والذي يلقى معارضة شديدة من شريحة واسعة من المواطنين والنواب.

وقد انسحبت عدة نقابات قوية من الاجتماعات في وقت مبكر، احتجاجًا على رفض بايرو التخلي عن هذا البند، فيما هددت منظمة “ميديف” — أكبر جهة ضغط لأرباب العمل في فرنسا — بالانسحاب هي الأخرى من المؤتمر، في حال تمرير مقترحات تراها ضارة بسوق العمل.

ورغم ذلك، لا يزال هناك توافق نسبي حول بعض النقاط، مثل تقديم مكافآت للموظفين كبار السن الذين يواصلون العمل بعد سن التقاعد، أو تسهيل الوصول إلى المعاش الكامل لمن لم يستوفوا الحد الأدنى من سنوات المساهمة.

عجز متفاقم وضغوط مالية

إصلاحات عام 2023، التي أقرّها الرئيس إيمانويل ماكرون بمرسوم تنفيذي دون تصويت برلماني، هدفت إلى تعزيز ملاءة النظام التقاعدي في ظل التحديات الديموغرافية، لكنها لم تنجح كليًا في كبح العجز. وتشير التقديرات الحالية إلى أن صندوق التقاعد الرئيسي قد يسجل عجزًا بقيمة 30 مليار يورو بحلول عام 2045.

وفي هذا السياق، أكدت المحللة في وكالة “فيتش” هانا ديمبكر أن “أي تراجع عن الإصلاحات السابقة سيشكّل خطرًا ماليًا على المدى المتوسط، ويزيد العبء على ميزانية الدولة الهشة أصلًا”.

وفي موازاة ذلك، تعمل الحكومة على وضع خطة تقشفية لتوفير 40 مليار يورو في ميزانية 2026، بهدف الحد من عجز مالي متوقع يبلغ 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وسط تهديدات من وكالات التصنيف بخفض التصنيف الائتماني الفرنسي في حال استمرار الإنفاق دون إصلاحات هيكلية.

اختبار سياسي لرئيس الوزراء

يُعد هذا المؤتمر بمثابة اختبار حاسم لرئيس الوزراء بايرو، الذي قدّم نفسه كوسيط توافقي قادر على تجاوز الاستقطاب السياسي العنيف الذي تشهده فرنسا منذ سنوات. ويأمل بايرو أن يُسفر الاتفاق عن نصر سياسي واقتصادي يُرضي الأسواق والمواطنين معًا.

وقال المحلل السياسي في “سكوب للتقييمات” توماس جيليت إن نتائج المؤتمر “ستكون مؤشرًا مباشرًا على مدى قابلية فرنسا للمضي قدمًا في إصلاحاتها الهيكلية”.

لكن فشل المؤتمر سيعني تداعيات سياسية ضخمة، إذ أن الحزب الاشتراكي المعارض كان قد وافق على دعم حكومة بايرو بشرط مراجعة إصلاحات 2023. وإذا أخفق في تقديم حلول ملموسة، فقد يجد نفسه في مواجهة تصويت بحجب الثقة مشابه لما أطاح بسلفه ميشيل بارنييه في ديسمبر الماضي.

إصلاح جزئي أم تغيير جذري؟

وفي حين يطالب البعض بإصلاحات جزئية فقط، يرى آخرون أن المشكلة هيكلية وتتطلب إعادة نظر كاملة في نظام التقاعد الفرنسي. وفي هذا السياق، طرح رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، المرشح المحتمل لرئاسيات 2027، فكرة التحوّل نحو نظام مختلط يشمل تقاعدًا قائما على رأس المال.

وقال مسؤول سابق شارك في إصلاحات 2023، رفض الكشف عن هويته، إن “الانتقال التدريجي إلى نموذج جديد أكثر استدامة بات أمرًا لا مفر منه”، محذرًا من أن “أي تأجيل قد يُعرض النظام بأكمله للخطر”.

النهاية مفتوحة

مع انتهاء المهلة بعد أيام، يبقى مصير المؤتمر مفتوحًا على جميع السيناريوهات: نجاح في التوصل إلى تسوية تاريخية، أو انهيار سياسي جديد يعمّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بفرنسا منذ سنوات. وفي كل الحالات، ستكون الساعات المقبلة حاسمة لمستقبل نظام التقاعد وأداء الحكومة الفرنسية في آن معًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى