مخاطرة فون دير لاين الكبرى تهدد بتقويض أجندتها السياسية للسنوات المقبلة

تواجه رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، واحدة من أكبر التحديات السياسية في ولايتها الثانية، بعد قرارها المفاجئ بسحب قانون بيئي رئيسي كان يهدف لمكافحة “التضليل البيئي” من قِبل الشركات، ما أثار عاصفة سياسية تهدد مستقبل أهم سياساتها.
كلفة التحالف مع اليمين
قرار فون دير لاين الأسبوع الماضي بالانحياز إلى اليمين المتطرف لإلغاء قانون “المطالبات الخضراء” خلق أزمة في التحالف غير الرسمي الذي يجمع حزبها اليميني الوسطي (حزب الشعب الأوروبي) مع الاشتراكيين والليبراليين في البرلمان الأوروبي. ويشكل هذا التحالف العصب السياسي الذي ترتكز عليه المفوضية لتمرير أجندتها التشريعية.
النائب الاشتراكي تيمو وولكن، الذي قاد التشريع الملغى، وصف الخطوة بأنها “إهانة سياسية متعمدة”، وقال إن “حزب الشعب الأوروبي يبدو مستعدًا لسحق أي ملف من أجل السلطة”، محذرًا من أن هذا النمط من السلوك ينسف الثقة بين مكونات التحالف البرلماني.
سياسات مهددة
يتوقع مراقبون أن يؤدي هذا الشرخ إلى تعقيد تمرير عدد من الملفات الكبرى في الأشهر المقبلة، ومنها:
إصلاحات السياسة الزراعية المشتركة.
قواعد ترحيل طالبي اللجوء الجديدة.
خطة تبسيط متطلبات الإبلاغ البيئي ضمن “الحزمة الخضراء الشاملة”.
المفاوضات الحساسة حول ميزانية الاتحاد الأوروبي 2028-2035.
وحذر رينيه ريباسي، زعيم الاشتراكيين الألمان، من أن مواصلة فون دير لاين تقديم التنازلات لليمين قد تؤدي إلى “عواقب صعبة”، وأضاف: “عليها أن تختار بين استمرار التعاون مع القوى المعتدلة أو السقوط في فخ ابتزاز اليمين المتطرف”.
ارتباك في مركز السلطة الأوروبية
الانقسامات الداخلية تعكس أيضًا التحولات السياسية في القارة. فقد أصبح حزب الشعب الأوروبي أكثر تقاربًا مع أحزاب يمينية متطرفة مثل “الوطنيون من أجل أوروبا” و”المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون”، في تحرك يهدف إلى ترجمة المكاسب الانتخابية لليمين في البرلمان الأوروبي إلى نفوذ سياسي فعلي.
لكن هذه التحالفات قد تكون سيفًا ذا حدين؛ إذ أن قوى اليمين المتطرف تعارض في جوهرها مؤسسات الاتحاد الأوروبي وتدفع باتجاه تقويض التكامل الأوروبي، ما يجعل الاعتماد عليها محفوفًا بالمخاطر، خاصة في ملفات جوهرية كميزانية الاتحاد ومشروع الطاقة الموحد.
خطر تآكل التحالف الوسطي
يرى ريتشارد كوربيت، العضو السابق في البرلمان الأوروبي والمستشار السياسي، أن الاشتراكيين والليبراليين قد يختارون التصعيد عبر تعطيل الملفات الجديدة، مما يعقّد عمل المفوضية بشكل ملحوظ، وخصوصًا في ما يتعلق بالأولويات البيئية التي وضعتها فون دير لاين على رأس أجندتها.
ويضيف كوربيت: “قد تبدأ المجموعات المعتدلة في البرلمان بممارسة ضغوط مؤسسية منهجية، مما يفتح الباب أمام بطء تشريعي متعمد في ظل مشهد سياسي يتسم بعدم الثقة”.
مستقبل محفوف بالتحديات
رغم هذه التحديات، يرى البعض أن التحالف الوسطي قد يصمد لأسباب براغماتية، خاصة في أوقات الأزمات الكبرى. لكن الاستياء المتراكم من خطوات فون دير لاين، وتغير التوازنات في الحكومات الأوروبية (كما في ألمانيا وإسبانيا وفرنسا)، يعزز احتمال تشكّل معارضة أكثر تنظيماً وصلابة داخل البرلمان الأوروبي.
وبينما تحاول فون دير لاين الدفاع عن قراراتها باعتبارها جزءاً من “التكيف السياسي” مع البرلمان الجديد، يتزايد الشعور بين حلفائها السابقين بأنها باتت أقرب إلى أجندة اليمين، ولو على حساب وحدة أوروبا السياسية والبيئية.
وفي الوقت الذي تستعد فيه المفوضية لطرح مشاريع جديدة تتعلق بالابتكار الصناعي والتحول الأخضر والرقمي، ستضطر فون دير لاين إلى إعادة ضبط علاقاتها داخل البرلمان، أو المخاطرة برؤية سنواتها المتبقية تغرق في الجمود والصراعات الحزبية.



