خطة إيطاليا الكبرى لتحقيق هدف الناتو: جسر بقيمة 13.5 مليار يورو إلى صقلية

في ظل السعي المستمر لتعزيز الإنفاق العسكري والالتزام بأهداف حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تطرح الحكومة الإيطالية بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني مشروعًا طموحًا لبناء جسر ضخم يمتد فوق مضيق ميسينا ويربط البر الإيطالي بجزيرة صقلية، بتكلفة تقدر بنحو 13.5 مليار يورو. لكن السؤال المطروح: هل يتوافق هذا المشروع الفخم فعلاً مع الأهداف العسكرية للحلف الأوروبي الأطلسي؟
يعتبر مشروع الجسر، الذي سيكون أطول جسر معلق في العالم بطول مركزي يبلغ 3.3 كيلومتر، حلمًا قديمًا رافق العديد من الحكومات الإيطالية على مدار عقود، بدءًا من حقبة موسوليني وحتى سيلفيو برلسكوني. ومع ذلك، لم تكتمل محاولات بناء الجسر سابقًا بسبب تحديات تقنية واقتصادية وقانونية، خاصةً لوقوع المنطقة في منطقة زلزالية معقدة.
في عام 2025، تبرز الحكومة الإيطالية هذا المشروع من جديد، لكنها تسعى إلى تصنيفه على أنه “مشروع أمني وعسكري” ضمن خطة إنفاق الدفاع المرتبطة بأهداف الناتو. وبذلك، تأمل روما في التوصل إلى حوافز وتمويلات تسهل تنفيذ المشروع الضخم، خصوصًا في وقت تشهد فيه إيطاليا ضغوطًا لتكثيف إنفاقها العسكري.
تقول الحكومة إن الجسر لا يمثل فقط منفذًا مدنيًا مهمًا لتعزيز الاقتصاد وتحسين الربط بين صقلية والبر الإيطالي، بل يحمل أيضًا أهمية استراتيجية حيوية في إطار الأمن القومي والدولي. إذ سيكون بمثابة جسر لتمكين حركة القوات البرية والمعدات الثقيلة وحلفاء الناتو عبر البحر المتوسط بسرعة أكبر.
وذكر تقرير حكومي صدر في أبريل/نيسان أن المشروع “يمثل ميزة استراتيجية لتسهيل النقل العسكري، ويُعزز القدرة على التنقل السريع لقوات الناتو بين شمال أوروبا والبحر المتوسط”. وهو ما يعزز من الطموحات الإيطالية لتصنيف المشروع كجزء من النفقات الدفاعية الرسمية التي يطالب بها الناتو.
لكن هذا الطرح يثير تساؤلات حول مدى توافق الجسر مع خرائط وممرات التنقل العسكرية المعتمدة لدى الحلف. فمضيق ميسينا لا يقع ضمن الممرات المعروفة التي يستخدمها الناتو لنقل المعدات والأفراد، والتي تركز على طرق أخرى مثل موانئ بوليا والبحر الأدرياتيكي مرورًا بألبانيا وبلغاريا. كما أن الجسر غير مدرج رسميًا ضمن شبكة التنقل العسكري الأوروبية المعتمدة من الاتحاد الأوروبي.
من جانبهم، أبدى المسؤولون الأمريكيون، وهم الطرف الأكبر تأثيرًا في الناتو، تحفظات أو تجاهلوا التصريحات حول أهمية الجسر استراتيجيًا، كما ظهر خلال قمة الحلف في لاهاي يونيو/حزيران، حيث قوبل الطرح الإيطالي بردود فعل ساخرة من بعض المساعدين الأمريكيين.
على الصعيد السياسي الداخلي، يلعب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أنطونيو تاجاني ونائب رئيس الوزراء ووزير البنية التحتية ماتيو سالفيني دورًا محوريًا في الدفع بالتصنيف الأمني للمشروع. حيث يروّجان لفكرة أن الأمن القومي يتجاوز المفهوم التقليدي للدبابات والسلاح، ليشمل البنية التحتية ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري.
وزير الخارجية تاجاني صرح في مقابلة أنه “سيتم توضيح أن مفهوم الأمن يشمل مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل جسر مضيق ميسينا، إذ تشكل صقلية منصة أساسية لحلف الناتو في البحر المتوسط”.
فيما يرى سالفيني أن المشروع يمكن أن يكون أداة سياسية لتحويل حزبه اليميني المتطرف من حركة إقليمية إلى قوة وطنية قوية من خلال إطلاق مشروع بنية تحتية ضخم يُضاف إلى سجل الإنجازات الوطنية.
ورغم الحماس الحكومي، لا تزال أحزاب المعارضة متباينة في آرائها حول جدوى المشروع، وما إذا كان يجب اعتباره نفقات عسكرية. كما يواجه المشروع تحديات بيروقراطية وقانونية، خاصة من السلطات المحلية التي تخشى الضرر البيئي والاجتماعي، ما أدى إلى عدة دعاوى قضائية في الماضي.
من الناحية المالية، يشير مسؤول في وزارة الخزانة إلى أن التصنيف العسكري للجسر قد يسمح بتجاوز بعض العقبات المالية والتقنية، ويُسهّل جمع التمويل المطلوب، خصوصًا أن الحكومة الإيطالية تتجه نحو تقشف اقتصادي.
الجدير بالذكر أن وثيقة حكومية صادرة في أبريل/نيسان نصت على وجوب اعتبار المشروع “لأسباب ملحة ذات مصلحة عامة قصوى”، مضيفة أنه “سيساهم بشكل رئيسي في تعزيز قدرات الدفاع والأمن الوطني والدولي”.
في الختام، يبقى المشروع محل نقاش حاد داخل إيطاليا وعلى مستوى الناتو، بين من يرى فيه خطوة ضرورية لتعزيز البنية التحتية الدفاعية، ومن يعتبره مبادرة مكلفة وشبه سياسية قد لا تحقق الأهداف العسكرية المنشودة. ما إذا كان جسر ميسينا سيصبح جسراً استراتيجياً للناتو أم مجرد مشروع مدني عظيم يواجه تحديات كبيرة، هو سؤال ستجيب عليه السنوات القادمة.



