داخل المؤامرة الفرنسية الألمانية لإجهاض قانون سلسلة التوريد الأخلاقي في أوروبا

كان يُفترض أن يمثل قانون العناية الواجبة الأوروبي خطوة فارقة نحو إلزام الشركات بمسؤولية أكبر عن حماية حقوق الإنسان والبيئة في سلاسل التوريد العالمية. لكن تحالفًا غير معلن بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني الجديد فريدريش ميرز وضع حدًا فعليًا لهذا الطموح، بحسب ما كشفته مصادر أوروبية مطلعة.
القانون، الذي اعتُمِد مبدئيًا العام الماضي، أُلزمت بموجبه الشركات الأوروبية بمراقبة مورديها عالميًا، والتحقق من خلو أنشطتهم من انتهاكات حقوقية أو بيئية. غير أن ماكرون وميرز انضما مؤخرًا إلى جهود خفض سقف القانون، مقدّمين تنازلات متبادلة أفرغت النص من مضمونه إلى حد كبير، وفق وصف نشطاء حقوقيين وخبراء قانونيين.
وقال ألبرتو أليمانو، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي في جامعة HEC بباريس، إن ما جرى يُعتبر «أحد أول إنجازات التحالف الفرنسي الألماني المتجدد»، مضيفًا أن النص المعدل فقد فعليًا الكثير من قوته الرادعة.
صداقة سياسية – اقتصادية
وتتزامن هذه التطورات مع صعود ميرز إلى المستشارية في ألمانيا في مايو/أيار الماضي، ما أتاح له توطيد علاقة وثيقة مع ماكرون تقوم على رؤية اقتصادية ليبرالية متشابهة. هذه الصداقة السياسية ترجمت نفسها سريعًا في موقف مشترك داخل بروكسل لإعادة صياغة القانون وفق ما يخدم مصالح الشركات الكبرى، بحسب مراقبين.
وفي تصريحات مثيرة للجدل الشهر الماضي، صرّح ماكرون أمام تجمع لرجال الأعمال قائلاً إن توجيه العناية الواجبة «لا ينبغي تأجيله لعام واحد فحسب، بل ينبغي إلغاؤه بالكامل»، وهو ما كرّره ميرز لاحقًا، مطالبًا بـ«الإلغاء التام» للقانون خلال زيارة له إلى بروكسل.
ورغم التصريحات العلنية المتشددة، كانت الوفود الفرنسية والألمانية منهمكة في مفاوضات خلف الأبواب المغلقة لتقليص القانون، حسبما كشف مسؤولون أوروبيون.
تقليص نطاق القانون
في نسخته المعدلة، بات القانون ينطبق فقط على الشركات التي يزيد عدد موظفيها عن 5000 موظف، وتبلغ مبيعاتها السنوية أكثر من 1.5 مليار يورو، ما يعني عمليًا إخضاع أقل من ألف شركة أوروبية لهذه المتطلبات. في المقابل، كان الاقتراح الأصلي للمفوضية الأوروبية يستهدف شريحة أوسع بكثير من الشركات، وكان من شأنه التأثير على نحو 20% من مجمل شركات الاتحاد الأوروبي.
وقال ريتشارد جاردينر، المسؤول في منظمة ShareAction غير الحكومية، إن القانون الجديد فقد جدواه تقريبًا. وأضاف: «لقد وصلنا إلى نقطة نتساءل فيها: هل يستحق الأمر وجود هذا القانون أساسًا؟ إذا كُتبت القواعد بشكل ضعيف، فلن يكون لدى الشركات أي حافز للتصرف بمسؤولية أكبر.»
تبادل تنازلات
ووفق مصادر دبلوماسية، وافقت فرنسا على تقديم تنازلات بشأن بند المسؤولية المدنية الذي كانت تخشاه الشركات الألمانية، خشية ملاحقات قانونية على مستوى الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، أيدت برلين وضع حد أدنى مرتفع لحجم الشركات المشمولة بالقانون، ما يتماشى مع القوانين الفرنسية الحالية ويقلص عدد الشركات المتأثرة.
بينما احتفلت باريس بالاتفاق باعتباره «نجاحًا مشتركًا» للعلاقة الفرنسية الألمانية، بقيت برلين حذرة في تصريحاتها العلنية. وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية: «الحكومة الألمانية لا تعلق علنًا على تصريحات حكومات أخرى أو معلومات تستند إلى مصادر مجهولة.»
ويخشى المدافعون عن حقوق الإنسان والبيئة من أن يكون القانون، في صيغته الحالية، قد خسر دوره الأصلي، ليصبح مجرد إجراء تجميلي، يخدم مصالح الشركات الكبرى أكثر مما يحمي العمال أو البيئة في سلاسل التوريد العالمية.



