تحلّ يوم الاثنين الذكرى العشرون لهجمات السابع من يوليو/تموز 2005 في لندن، والتي ما تزال محفورة في الذاكرة الجماعية للمملكة المتحدة. فقد نفّذ أربعة انتحاريين بريطانيين من أصول إسلامية سلسلة تفجيرات منسقة استهدفت ركاب وسائل النقل العام خلال ساعة الذروة الصباحية، ما أدى إلى مقتل 52 شخصًا وإصابة مئات آخرين.
هذه الهجمات، التي عُرفت بـ”7/7″، أدخلت بريطانيا إلى مرحلة جديدة من التعامل مع التهديد الإرهابي المحلي المستمد من صراعات خارجية، وأسفرت عن تغييرات جذرية في سياسات مكافحة الإرهاب وأثرت بشكل عميق على النسيج الاجتماعي في البلاد، خاصة على الجالية المسلمة.
صدمة وطنية وتغيير في الاستراتيجية الأمنية
كان منفذو الهجوم، بمن فيهم محمد صديق خان وشهزاد تنوير، قد سافروا إلى باكستان للتدريب مع تنظيم القاعدة، وعادوا مسلحين بقنابل تم تجهيزها في شقة مستأجرة. وقد شارك معهم في العملية جيرمين ليندسي، الذي التحق بهم في الطريق إلى لندن.
بعد الهجمات، أجرت الحكومة البريطانية مراجعة شاملة لسياساتها الأمنية، مع التركيز على مكافحة ما وصفته بـ”الإرهاب الإسلامي”. وعززت أجهزة الأمن والقوانين لمواجهة التهديدات القادمة من الجماعات المتطرفة داخل البلاد.
قالت الدكتورة جيسيكا وايت، خبيرة مكافحة الإرهاب في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، في تصريحات لـ”ذا ناشيونال” إن “مكافحة الإرهاب التي ركزت بشكل شبه حصري على التهديد الإسلامي كانت هي المحرك الأساسي لسياسات الأمن خلال خمسة عشر عامًا، مما أدى إلى حضور مستمر لتدابير مكافحة الإرهاب في الحياة اليومية”.
تداعيات عميقة على المجتمع المسلم البريطاني
كان للأحداث تأثير بالغ على المسلمين في بريطانيا، حيث تعرضت المساجد والجمعيات الخيرية لمراقبة مشددة، وواجه المجتمع بأكمله موجة من التحيزات والتشهير. وفي أحد الأفلام الوثائقية الحديثة على شبكة نتفليكس، تظهر مقابلة مع أحد الضحايا المسلمين الذين طلبت مقدمة البرامج التلفزيونية كيت جارواي منه إدانة الهجوم نيابةً عن جميع المسلمين، مما يعكس الضغط المجتمعي غير المسبوق.
كما ساهمت تلك الهجمات في تسريع تطبيق برنامج “بريفنت” الذي يتيح للمعلمين تحديد الطلاب الذين يُعتقد أنهم معرضون لخطر التطرف، وهو ما أدى إلى استهداف غير متناسب للمسلمين.
ومع ذلك، يرى البعض أن تركيز الدولة على الإسلاميين المتشددين أعطى لهم منفذًا أكبر في المؤسسات الحكومية، في حين عانى المسلمون المعتدلون من العزلة والتهميش، ما غذى ردود فعل يمينية متطرفة ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة، شملت اعتداءات على المساجد وأفراد المجتمع المسلم.
النائب العمالي السابق خالد محمود حذر من أن البلاد “لم تبتعد كثيرًا عن أحداث 7/7″، معتبراً أن الإسلاميين يواصلون استغلال الشباب، خاصة في المجتمعات ذات الأصول جنوب آسيوية، لتغريبهم عن ثقافاتهم المحلية عبر تحريضهم ضد تقاليدهم وعاداتهم، مدعياً أن المجلس الإسلامي البريطاني لعب دوراً في تعزيز هذا النفوذ على حساب المجتمع الأوسع.
إعادة تعريف الإرهاب وتحديات جديدة
شهدت السنوات الأخيرة توسيعاً في مفهوم الإرهاب، حيث أكد رئيس الوزراء كير ستارمر أن “الإرهاب قد تغيّر”، مشيراً إلى تهديدات تنبع من أفراد معزولين يمارسون العنف بمفردهم بعد تأثرهم بمحتوى متطرف على الإنترنت.
كما أصبحت الأجهزة الأمنية تولي اهتماماً متزايداً للتطرف اليميني، الذي يتميز بأيديولوجيات مثل تفوق العرق الأبيض وكراهية الأجانب، إضافة إلى التحديات المرتبطة بحرية التعبير والحدود القانونية لها في ظل عصر الرقمنة.
وتحمل هذه التغيرات في أساليب الإرهاب ووسائله أعباءً جديدة على السلطات في المملكة المتحدة، التي تجد نفسها أمام ضرورة التوازن بين حماية أمنها والحفاظ على الحقوق المدنية.
قلق متصاعد في المجتمع المسلم
في ظل هذه التطورات، أثار الإفراج الأخير عن الناشط اليميني المتطرف تومي روبنسون مخاوف كبيرة بين المسلمين البريطانيين، حيث يعد روبنسون أحد الأصوات المتطرفة التي تستهدف المجتمع المسلم بشكل خاص، مما يزيد من حالة التوتر والقلق.
وبعد عشرين عامًا على أحداث السابع من يوليو، لا تزال المملكة المتحدة تواجه تحديات متجددة في مكافحة الإرهاب. فقد غيّرت تلك الهجمات نهج الدولة الأمني، لكنها في الوقت نفسه ساهمت في تعميق الانقسامات الاجتماعية، خاصة داخل المجتمع المسلم. وبينما توسع تعريف الإرهاب ليشمل التهديدات الحديثة، يبقى السؤال حول كيفية تحقيق التوازن بين الأمن والعدالة الاجتماعية أحد أبرز التحديات في المستقبل.

