Site icon أوروبا بالعربي

الاتحاد الأوروبي يربط مساعدات التنمية الأفريقية بوقف تدفقات الهجرة نحو أوروبا

كشفت وثيقة داخلية مسربة أن المفوضية الأوروبية تعتزم اقتراح ربط مساعداتها التنموية للدول الأفريقية بمدى تعاونها في منع المهاجرين من التوجه إلى أوروبا. وتشكل هذه الخطة، التي ستُعرض ضمن إطار ميزانية الاتحاد الممتدة لسبع سنوات (2028-2034)، تحوّلًا لافتًا في فلسفة الاتحاد المتعلقة بالمساعدات الخارجية، عبر إدراج عنصر الهجرة كشرط محوري للحصول على التمويل.

وبحسب الوثيقة، سيُطلب من الدول الأفريقية، ولا سيما الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، إثبات قدرتها على الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية، إذا أرادت الحفاظ على دعم الاتحاد الأوروبي التنموي. وتقول المفوضية إنها ستستخدم “الرافعات المناسبة” لتعديل حجم التمويل “حسب الأداء”، في إشارة إلى نهج تحفيزي مشروط.

استجابة لضغوط اليمين الأوروبي

تأتي هذه الخطوة استجابة واضحة لتحولات المشهد السياسي الأوروبي عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي شهدت صعودًا قويًا للأحزاب اليمينية والشعبوية في العديد من الدول الأعضاء. وبالنسبة لرئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، التي تنتمي لحزب الشعب الأوروبي اليميني الوسطي، فإن الخطة تمثل محاولة لاحتواء هذا المد عبر تشديد الرقابة على الهجرة، وتوجيه الأموال الخارجية نحو أهداف تخدم المصالح الداخلية للاتحاد.

وقد أثار هذا النهج انتقادات في أوساط الكتل التقدمية داخل البرلمان الأوروبي، إذ اعتبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر أن ربط المساعدات بقضايا الهجرة يتعارض مع المبادئ الإنسانية للتعاون التنموي، ويحوّل المساعدات إلى أداة ابتزاز سياسي.

على خطى اتفاق تونس

تعكس الخطة المرتقبة رغبة الاتحاد في توسيع تجربة اتفاقه المثير للجدل مع تونس عام 2023، والذي منح الأخيرة دعماً اقتصادياً مقابل تعهدات بمنع المهاجرين من مغادرة سواحلها. ورغم الانتقادات التي طالت الاتفاق، إلا أن المفوضية ترى فيه نموذجًا قابلًا للتكرار مع دول أفريقية أخرى، في إطار ما تسميه بـ”دمج أكبر بين سياسات الهجرة والسياسة الخارجية”.

وتنص الوثيقة على أن المفوضية “ستسعى إلى زيادة التنسيق بين برامج المساعدات وأهداف إدارة الهجرة”، بما يتيح توجيه التمويل نحو البلدان التي تثبت التزامها بضبط حدودها ومكافحة تهريب البشر.

تغيير جوهري في سياسة المساعدات

إذا تم اعتماد المقترح بصيغته الحالية، فسيشكل تحولًا جذريًا عن النموذج السابق للمساعدات الأوروبية، والذي لم يكن يشترط تحقيق نتائج سياسية محددة. وبدلاً من التوزيع التلقائي للتمويل وفق أولويات تنموية، فإن التمويل سيُربط مستقبلاً بمدى قدرة الدول على تلبية مصالح أوروبا الأمنية والديموغرافية.

ويقول محللون إن هذه المقاربة الجديدة تنسجم مع ما بات يُعرف بـ”تسييس المساعدات”، وهي استراتيجية تعتمدها بالفعل كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث تُستخدم المساعدات الخارجية كأداة لتحقيق أولويات محلية، من بينها ضبط الهجرة أو التأثير الجيوسياسي.

صندوق جديد… وأوكرانيا خارج المعادلة

وفي إطار إعادة هيكلة الميزانية الخارجية، تخطط المفوضية لإنشاء ما يُسمى بـ”صندوق أوروبا العالمي”، الذي سيجمع برامج المساعدة الحالية تحت سقف واحد، ويقسمها وفق مناطق جغرافية: أوروبا، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أفريقيا جنوب الصحراء، آسيا والمحيط الهادئ، الأمريكيتين والكاريبي، وأخيرًا حصة “عالمية”.

لكن اللافت أن أموال إعادة إعمار أوكرانيا، والتي تشكل بندًا حساسًا في سياسة الاتحاد، لن تخصم من هذه الميزانية. بل ستُدرج في صندوق مالي منفصل يمتد من عام 2028 إلى عام 2034، لتغطية جهود التعافي والتحديث في أوكرانيا بعد الحرب.

معركة في البرلمان الأوروبي

من المنتظر أن تكشف فون دير لاين رسميًا عن المقترح الأربعاء المقبل، وسط ترقب لمعركة سياسية داخل البرلمان الأوروبي. فبينما تؤيد الكتل اليمينية هذا التوجه، تشير التسريبات إلى أن الاشتراكيين والخضر يستعدون للاعتراض، مما يجعل تمرير الميزانية الجديدة مشروطًا بتنازلات أو تعديلات جوهرية.

ومع تصاعد أزمات الهجرة، والضغوط الاقتصادية في الجنوب العالمي، تُطرح أسئلة ملحة حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يسير نحو سياسة تنموية قائمة على الشروط والولاءات، أم أنه سيتراجع لحماية صورته كفاعل إنساني عالمي.

Exit mobile version